facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين التقاعد وبناء الطوب معضلة بحاجة إلى حل


الفرد عصفور
22-02-2021 09:47 AM

مشكلة الحويان – المتقاعد ليست مشكلة عادية وإنما هي معضلة اجتماعية اقتصادية اشتغلت عليها الدولة منذ عشرات السنين فجعلت المواطن مجرد آلة صماء لا يسعى إلا أن يكون موظفا غير منتج.

لقد خلقت الدولة الأردنية منذ عشرات السنين التقاعد المبكر لأسباب عديدة فاتحة للناس مجالا للوظيفة السهلة التي لا تحتاج جهدا ولا اجتهادا. كانت الدنيا بخير وكان عدد السكان قليلا ومحدودا وكان من السهل أن يعمل الإنسان في عمر العشرين مثلا ليتقاعد في سن الأربعين أو الخامسة والأربعين فيكفيه راتبه التقاعدي ليعود فيعيش في قريته أو يفتح دكانا أو يزرع قليلا أو يربي بعض الماشية وله تأمين صحي عندما كان الجهاز الصحي الحكومي متميزا.

كانت تلك السياسة كفيلة بتوفير وظائف لأغلبية الناس والدنيا سائرة وعين الله ترعاها. لم تفكر الدولة للأسف بان يصبح مواطنها منتجا صاحب مشروع ومبادرة. كانت الدولة مرتاحة غاية الراحة أن أغلبية المواطنين مرتبطين بالدولة من حيث مصدر رزقهم ودخلهم وبالتالي تكسب ودهم وسكوتهم. أما المشاغبون فكانوا يتركوا للهجرة لأجل تحصيل ما يمكنهم من أموال ليعودوا فيشتروا أراض يقيمون عليها دورهم وفي هذه الحالة يكسبون رضا الدولة وتكسبهم الدولة.

كشفت مشكلة الإعلامي محمود الحويان مع المتقاعد عن خلل فظيع في البنية الاقتصادية الاجتماعية للمتقاعدين وخاصة المتقاعدين العسكريين. يقوم الموظف والعسكري بمجرد وصوله إلى سن التقاعد (بحسب قانون التقاعد الجائر وليس بحسب قانون الطبيعة) بالتقدم بطلب التقاعد ويوسط كل من يستطيع توسيطه لينال التقاعد المبكر الذي يحسبه مكسبا كبيرا بأن يتقاضى راتبا تقاعديا وهو جالس في بيته. ما أن تمر سنتان أو ثلاث فيكتشف هذا المتقاعد أن شهر العسل مع تقاعده المبكر بدأ يتحول إلى مأساة. فقد تغير نمط حياته وقيمة العملة في هبوط وقوتها الشرائية في تناقص ومتطلبات الأسرة في تصاعد وهو لا يزال في عمر صغير نسبيا والحياة أمامه طويلة ولديه عائلة شابة وأطفال بحاجة إلى نفقات في الصحة والتعليم والنقل والغذاء والدواء لم يعد قادرا عليها.

ثم يكتشف المتقاعد سواء المدني أو العسكري انه لا يملك صنعة أو حرفة أو مهنة تكسبه دخلا يجتهد فيه ويكفيه السؤال فيلجأ لبيع قطعة أرض ورثها أو يفتح مصلحة تجارية ليلاحق نفقات بيته لكنه سرعان ما يكتشف انه لا يملك الخبرة الكافية لإدارتها وتكون نتيجتها الخسائر المتراكمة فتلاحقه الديون والدائنون. وبطبيعة الحال لا يمكن لهذا المتقاعد العودة إلى وظيفة جديدة لأنه قد لا يجد العمل المناسب لعمره إن كان تجاوز أواسط الأربعينات ولا يتقبل فكرة أن يتوقف تقاعده الذي اعتاد عليه بدون بذل الجهد ويعز عليه أن يعمل مجددا عند الآخرين براتب محدود.

عند هذه النقطة يشعر المتقاعد انه تعرض لخديعة كبرى اسمها التقاعد المبكر بعد أن أضاع عمره بدون حرفة وبدون صنعة وبدون مهنة مستسهلا العمل من وراء مكتب ثم وللأسف وبناء على طلبه ورجائه تخلصت منه الدولة لتعطيه راتبا تقاعديا منقوصا لأجل أن تخلق فرصة عمل لغيره ظنا أنها تقوم بعمل طيب لكنها في الواقع حفرت في مشكلة عويصة ستزيد من عمق المأساة الاقتصادية والاجتماعية وبدلا من متقاعد واحد فإن هذه السياسة ستخلق متقاعدين اثنين ثم أربعة ثم ثمانية إلى أن تصل الدولة إلى حد لا يمكن احتماله من الموظفين والمتقاعدين.

لقد أخطأت الدولة الأردنية خطا استراتيجيا بتشجيعها التوظيف السهل والواسع نزولا عند ضغط المجتمع الذي استهوته الوظيفة السهلة وراء مكتب لا يفعل شيئا سوى توقيع معاملات أو القول للمراجع تعال بكرة أو روح على غرفة ثلاثة أو مكتب أربعة. دوام سهل ورخو بدون حسيب أو رقيب. (رأينا عندما أرادت الدولة تطبيق نظام البصمة على دوام المعلمين كيف انتفضوا ضد القانون).

أخطأت الدولة خطأ استراتيجيا بتوسعها في التعليم وتسهيل إعادات التوجيهي ومكرمات التعليم الجامعي فخلقت موجات بالألوف من حاملي الشهادات بينما الجهاز الحكومي لا يمكنه أن يستوعب أكثر من عشرة في المئة من طالبي الوظيفة من حملة الشهادات فكان اللجوء "الذكي" للتقاعد المبكر بهدف تدوير الوظيفة على أكثر من مواطن لكن الدولة نسيت أن الأعمار بيد الله وبدون أن تجد حلا جذريا وحقيقيا للمشكلة فإنها ستتفاقم وتؤدي إلى انهيار لا نقدر عليه.

المتقاعد العسكري الذي اتصل على برنامج الحويان يشكو حاله، مع كل الاحترام له، ليس وحده. ربما هذا المتقاعد امتلك الجرأة ليتصل ويعرب عن حالته ويعرض مشكلته. وقد حاول المذيع وبالتأكيد بحسن نية وتهذيب أن يؤكد للمتقاعد المتصل انه لا يزال شابا يمكنه العمل ضاربا له مثلين لشخصين قاوما ظروفهما لأجل لقمة العيش. لكن المتقاعد آثر أن يقطع الاتصال لكي تنطلق بعد ذلك حملة شرسة طالت المذيع لدرجة وقف برنامجه والتشهير به على السوشال ميديا.

المذيع لم يغلط بحق المتقاعد ولكن ربما استعجل بإعطاء المثلين وربما كان عليه أن يتدرج بالحديث مع المتصل ويسأله عن الإمكانيات التي تتوفر لديه للقيام بعمل ما يكسبه دخلا بجهده من دون أن يسأل أو يطلب معونة أحد.

لقد استمعت للمكالمة وكان المذيع في غاية التهذيب والهدوء. وعلى ما بدو فإن المتقاعد المتصل لا يملك صنعة ولا مهنة وربما خرج متقاعدا بمعلولية كونه حسب قوله يعاني من ديسك. طبيعي أن لا يستطيع المصاب بالديسك أن يعمل في الطوب ولكن بالتأكيد يمكن أن يعمل في مصالح أخرى. ولأنه لا يملك حرفة أو صنعة لا يعني انه لا يستطيع أن يكون له مصدر رزق أو دخل مهني.

لا أسعى إلى توجيه اللوم إلى هذا المتقاعد العسكري الكريم الذي لا ذنب له فيما حصل فهو جزء من ماكينة كبيرة وليس وحده الذي وقع في براثن الإدارة الحكومية التي تتعامل حتى الآن مع البلد كما كانت تتعامل معه حكومات سابقة في الأربعينات والخمسينات عندما كانت الحياة وردية والخيرات متدفقة والمساعدات العربية والأجنبية غامرة.

الحكومات الحالية لا تدري أنها دمرت الاقتصاد الوطني بالتوسع في التعيين والتوظيف وقتلت روح الصنعة عند المواطنين بالتقاعد المبكر بينما فتحت البلد لأكثر من مليون ونصف المليون عامل وافد وهي نسبة ربما تكون الأكبر في العالم. بلد مثل الأردن فيه عمل لأكثر من مليون ونصف المليون عامل وافد من العار أن لا يجد فيه العاطلون عن العمل من أبناء البلد وعددهم لا يزيد عن أربعمئة ألف أي عمل ويضطرون للسؤال. الدولة صاحبة السيادة الحقيقية تستطيع أن تدير الاقتصاد بطريقة أفضل.

في العام 2030 أي بعد أقل من عشر سنوات ستصل نسبة الأفراد في سن العمل حسبما يقول الأستاذ موسى الصبيحي من مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى 69 في المئة من إجمالي عدد السكان فهل تفكر الحكومة في إيجاد حل منطقي يفح المجال لعمل هؤلاء؟ أم ستبقى تقترض لتوفير وظائف ورواتب وتقاعدات تجر البلاد إلى مصائب مالية واقتصادية؟

لدينا مشكلة في الإدارة العامة. لا توجد دولة في العالم 15 في المئة من سكانها عمالة وافدة. دولة نامية مثل الأردن لا يجو أن يكون شبابها عاطلين عن العمل بينما نسهل قدوم العمالة الوافدة ونتحايل على القانون بإعطائها تصريح (عمل زراعي) وبعد ذلك تتسرب الى قطاعات أخرى وتأخذ فرصة العامل الأردني.

وبالعودة إلى قضية المتقاعد الكريم الذي اتصل بالبرنامج الإذاعي فقد قال إن راتبه التقاعدي يذهب بالكامل سدادا لقرض إسكان. جميل أن يقترض الإنسان لبناء بيت أو شراء شقة ولكن هل يعقل أن يجعل الإنسان كامل راتبه قسطا للقرض مهما كان القرض ضروريا أو كبيرا؟ والسؤال الآخر هل يجوز للبنك أن يقبل بان يتقاضى قسطا من مقترض يأتي على كامل راتبه الذي هو دخله الوحيد؟

الآن: قضية المتقاعد – الحويان يجب أن لا تمر بسهولة. لا اقصد أبدا أن ألوم المتقاعد ولا اقصد أن ألوم المذيع وقد سمعت المكالمة وسمعت اعتذار المذيع وتفسيره وتبريره. عندما نسمع حديث المتقاعد بالفعل نشعر بالحزن والقهر ثم الخجل بأن المتقاعدين وخصوصا العسكريون منهم في بلدنا على هذا الحال بينما نجد أشخاصا لا يستحقون يتقاضون الألوف من الدنانير رواتب شهرية غير الامتيازات التي يحصلون عليها بدون وجه حق.

هذه القضية يجب أن تفتح حوارا وطنيا يقود إلى إيجاد حلول واضحة وصريحة وفاعلة لهذه المشكلة ومثيلاتها. حوار وطني يقود إلى مساعدة المتقاعدين من جهة وتفتح عيون الدولة من جهة أخرى على ضرورة اتخاذ قرارات جذرية وجريئة ونهائية وغير قابلة للمراجعة بوقف التقاعد المبكر والاكتفاء بعدد محدود من موظفي القطاع العام وتوجيه الناس إلى الحرف والمهن التي تقيهم شر السؤال.

أغلبية ساحقة من الذين يتوجهون للوظيفة العامة يفعلون ذلك انتظارا للتقاعد المبكر وهذا النوع من التقاعد سيف مسلط على الاقتصاد وسيدمر الاقتصاد والمجتمع معا. من كان لا يريد أن يستمر بالعمل قبل سن التقاعد الرسمي فهو حر وليجلس في بيته كيفما يشاء ولكن في هذه الحالة يتحمل مسؤولية قراره ولا يكون مستحقا لأي راتب تقاعدي قبل بلوغه سن التقاعد الرسمي وهو الستين.

العمالة الوافدة الكثيفة جدا وغير الواقعية ثم سهولة التعيينات بالواسطة وكذلك سهولة التقاعد المبكر تبعد الناس عن المهن والحرف والصنائع. لذلك فالخطة الاستراتيجية للإنقاذ يجب أن تتضمن في البداية تخفيض أعداد العمالة الوافدة (عمال وخادمات) وصولا إلى التخلص منها نهائيا في غضون بضع سنوات. كذلك لا بد من وقف الاستهتار بالتعليم فلا يجوز أن يكون تحصيل التوجيهي بالتقسيط عبر إعادات كثيرة وكأن الأمر لعبة الكترونية. كذلك فإن الدراسة الجامعية يجب أن تكون لها هيبتها فكثرة الخريجين صارت مشكلة ولم تعد حلا.

بقاء الأوضاع على ما هي عليه وانشغال الحكومة بأطراف المشكلات ومحاولات الحل السطحية من خلال تقديم مساعدات نقدية ودعم لأسعار السلع ستصل بالبلاد وبسرعة لا نتوقعها إلى نتائج غير مرغوبة تقود إلى ندم مرير حيث لا ينفع الندم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :