جاءني ابني عائدا من المدرسة وعلامات الغضب تبدو على ملامح وجهه، فبادرت بسؤاله لماذا أراك غاضبا؟! فأجابني: بأن المعلم قد وبخني ولم أرد عليه، وأنت السبب. فقلت: ولماذا أنا السبب؟ فقال: لأنك تطلب مني ومن أخوتي بأن نحترم المعلم حتى لو أخطأ وتردد بأن المعلم خط أحمر لا يجب تجاوزه. ابتسمت وقلت يا بني بعد هذه الرحلة الطويلة سأخبرك لماذا المعلم خط أحمر، وأسألك ولا أنتظر الإجابة لو قطعت السيارة الإشارة الحمراء ماذا سيحدث!!!!؟.
إن الوطن يضع فلذات أكباده وديعة غالية بين يدي المعلم ذلك الإنسان الذي نعهد إليه بصنع مستقبلنا وصياغة حياتنا المقبلة ؛ لذا فمصيرنا بين يديه ومن هنا فهو الأجدر بالمحبة والتقدير. وهو أهم عناصر العملية التربوية والتعليمية بمختلف جوانبها ومجالاتها، والله سبحانه وتعالى يقول" هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) صدق الله العظيم.والمعلم الذي كان بالأمس له مكانة مرموقة عند الخلفاء والسلاطين فهارون الرشيد اتخذ من الكسائي إمام النحاة في الكوفة مربيا ومعلما لإبنية الأمين والمأمون، فالتعليم من أقدس المهن وأشرفها فالعلماء ورثة الأنبياء، ولكن الصورة انعكست فلم يعد للمعلم ما كان له بالأمس، يهان وتداس كرامته ولا ناصر له إلا الله، أتذكر يا بني ذلك اليوم المرير عندما سجنت ظلما وبهتانا بعد اتهامي بأني ضربت أحد الطلبة وأخذ ولي أمره تقريرا طبيا.
ربما تكون هناك أسباب كثيرة وراء تدني مكانة المعلم: قد يكون بعدا اقتصاديا؛ فراتب المعلم متدن الأمر الذي يحتم عليه البحث عن مهنة إضافية تقلل من مكانته بين المجتمع مقارنة برواتب الوظائف الأخرى، أو بعدا اجتماعيا من خلال نظرة المجتمع للمعلم نظرة طبقية أو دونيه ، فالمحامي والطبيب والمهندس أكثر منه شأنا ومكانة، أو بعدا شخصيا فبعض المعلمين غير منتمين لمهنة التعليم وليس لديه الرغبة في التعليم والحصول على المعرفة، وربما بعض القوانين التي سنتها الوزارة والتي جاءت لصالح الطلبة الأمر الذي ترتب عليه تطاولهم، ومشاركة الأهل أبنائهم بالهجوم على المعلمين عند أي زلة لعدم وجود قوانين رادعة تردعهم ، فالابن الذي يتطاول على والديه ما المانع لديه أن يتطاول على معلمه؟!!!!.
ومن هنا لابد أن تتوفر صفات للمعلم الناجح: صفات خلقية تتمثل في الإخلاص والصدق، وسعة الصدر،وقوة الشخصية ليتمكن من ضبط الصف والتعامل بديمقراطية وحماس والتسامح من أهم الصفات فهو كالأب يراعي مشاعر طلبته ويحاول حل مشكلاتهم ،ولا بد من صفات مهنية وعلمية وثقافية ونفسية؛ فالمعلم الناجح يطور نفسه ويبحث عن كل ما هو جديد، ولا ننسى انه يجب أن يتميز بمظهره اللائق ولغته الواضحة، وحقيقة فالمعلم هو القدوة الحسنة في كل موقف وكلمة تصدر منه.

والمعلم يتولى مسؤولية عظيمة، هي تغذية الفكر بالعلم والمعرفة، وتنشئة الأجيال ليخدموا أنفسهم ودينهم، فالأمم الحية هي التي تعتني بمعلميها وترعاهم، ومقياس تقدم الأمم عنايتها بهم ورعايتهم.

أشعر بأني قد أطلت عليك يا بني : لكني من قلبي أقولها لك وما زلت مصرا عليها المعلم خط أحمر!!!!!!! فقد حمتك أنت وإخوتك وكنتم طلبة متميزين تحترمون المعلم وتقدرون. رددتها طيلة أربعة وعشرين عاما لطلبتي معلما ومديرا وأبا ، والآن أخاطب وزارتي الحبيبة وأخاطب الآباء وأخاطب أبنائي الطلبة بأن نرفع جميعا شعار "المعلم خط أحمر" لتعود له الهيبة والقيمة الاجتماعية ولتصبح المدارس منارات للعلم والمعرفة، وأنتم أيها المعلمون الأعزاء ابذلوا ما تستطيعون وارعوا عهد الله والتاريخ فأبناء الأردن أمانة غالية في أعناقكم.