نعم يا والدي لقد كنت قوياً وصاحب همة وعزيمة حتى آخر لحظة من عمرك بالرغم من أنك تجاوزت المائة عام... منذ خروجك من منزلك في (سوف) إلى المدينة الطبية قبل حوالي الشهر كان لدي إحساس بأن هذا هو خروجك الأخير حياً من بيتك وأنك لن تعود إليه إلا ميتاً.
أجريت لك عملية تنظير للمعدة والتي بناءً عليها تم إدخالك للمستشفى وعندما وضعت يدي على كتفك لتوجيهك إلى الطريق المؤدية إلى جناح الضباط حيث ستكون إقامتك،رفضت بشدة ورفعت يدي عن كتفك وطلبت مني أن أسير أمامك باتجاه المكان المنوي الذهاب إليه فقط.
استقر بك المكان في غرفتك في جناح الضباط حيث حضر نشامى قواتنا المسلحة أبناءك وإخواني في الخدمات الطبية (الزريقات،الحباشنة،الخرابشة،المعايطة،الحجاج،الحسينات وآخرون) حيث تم إجراء ما يلزم لك فأحبوك كثيراً وكانوا يقولون... تجاوز عمره المائة عام ولم تتجاوز روح المرح عنده الثلاثين...إننا نحبه كجد لنا.
وأجريت لك العملية الجراحية من قِبل ابن وطن رائع كروعة الأردن إنه الدكتور (صالح الحوراني) بالرغم من تحذيره لنا من خطورة العملية على من هم بمثل عمرك وأثناء وجودك في غرفة الإنعاش كنت قوياً كما كنت دائماً...كنت تريد أن تنزل عن السرير رغماً عنا للذهاب إلى الحمام وكنت تقول...(آخر عمري أبول عالسرير...يا عيب) وهذا ليس غريب عليك فأنت ابن ذلك الجندي التركي (جدّي)الذي سار على قدميه من اسطنبول في تركيا إلى (سوف - جرش) حيث كان يمشي ليلاً وينام نهاراً(أو يختبئ) خوفاً من اعتقاله من قبل الأتراك وكان ذلك لمدة زادت عن الستة أشهر.
وعدت إلى غرفتك في المستشفى بعد العملية الجراحية وبالرغم من تأثير المخدر عليك لم تنسى حق ربك عليك فقد أديت الصلاة أكثر من مرة وكنت تكثر من ذكر الله والصلاة على النبي محمد(صلى الله عليه وسلم) وعندما يشتد تأثير المخدر عليك وتصبح فاقداً للوعي كنت تتحدث عن مكارم الأخلاق وكنت تمارس طقوسك الزراعية من حراثة وتقليم الأشجار وقطف الثمار تلك المهنة التي أحببتها كثيراً كحبك وعشقك للأرض.
ساءت حالتك الصحية فجر الأحد 12/12/2010 ... أبلغت الممرض (محمد زريقات)... حضر إليك...طلب الأطباء...ناداك وسألك عن الصحة...أجبته:الحمدلله. وكانت آخر كلمة نطقتها... وصل الأطباء وقاموا بما يلزم إلا أن قدر الله أكبر من أن يوقفه إنسان...فقد توفاه الله.
ولأنك أحببت الأردن...حيث كنت تقول ونحن نؤدي مناسك الحج والعمرة(ما مثل جيشنا جيش وما مثل بلادنا بلاد) في إشارة منك إلى شوقك للوطن...ولأنك أحببت الأرض كحبك للخير والناس أردنا(زوجتك وأبناءك وبناتك وأحفادك) أن نكرمك في موتك كما أكرمتنا في حياتك فقد تم دفنك في قطعة الأرض التي كانت الأحب إليك (العسلية) لتصبح مقبرة لأهل الحي والأقارب ولكل من أحبك ولتكن صدقة جارية عنك إلى يوم القيامة...جعلها الله عليك وعلى من سيدفن فيها روضة من رياض الجنة.

رحمك الله يا والدي...لقد عشت عمرك الطويل على القيم والمبادئ النبيلة فقد دفعتني للالتحاق بالقوات المسلحة أثناء حرب 1973 بسرعة كي أشارك في الحرب مع إخواني في القوات المسلحة في الجولان السورية(حسب رأيك) وأذكر وصاتك لي في صباح ذلك اليوم التشرينيّ وأنا ذاهب للالتحاق بالكلية العسكرية(يبني(يا بنيّ)...إياك والعيبة...روح الله معك)والتي بقيت تلازمني طيلة حياتي فوالله ما فعلت شيئاً يعيبني طيلة حياتي.
عزاؤنا في سيرتك العطرة بين الناس وفي شهادة أئمة المساجد يوم دفنك وأثناء تقبلنا التعازي فيك وفي هذه المجموعة الخيّرة من أبنائك وبناتك وأحفادك و ابناء احفادك وأحبائك وأصدقائك الخيّرين... يرحمك الله وإلى جنات الخلد بإذنه تعالى يا أبا عليّ.

ولدك سامي