ماذا يعني حظر الجماعة؟ خيارات الدولة وتوقّعات الجمهور
د. عامر بني عامر
21-04-2025 05:50 PM
في ظل التطورات الأمنية الأخيرة، عاد النقاش إلى الواجهة حول موقع جماعة الإخوان المسلمين في المشهد الأردني، وقد جاءت المعلومات الرسمية حول إحباط مخطط إرهابي، وتحقيقات تشير إلى ارتباط بعض الأفراد بالإخوان المسلمين، لتُعيد طرح سؤال دقيق: كيف يمكن للدولة أن تتعامل مع هذه الحالة المعقّدة بما يحفظ أمنها واستقرارها، دون المساس بتوازناتها السياسية والمجتمعية؟
وقبل الخوض في تفاصيل هذا المقال لا بد من التأكيد على أنه لا يهدف إلى تبنّي أو ترجيح أي خيار، بل يُطرح في سياق فتح نقاش عام ومسؤول، يستعرض المسارات القانونية والسياسية المحتملة في ضوء المستجدات الراهنة، وبما يعكس المزاج العام وتطلعات شريحة واسعة من المواطنين باتت تنتظر من الدولة موقفًا واضحًا، بعد سنوات من الغموض والتردد في معالجة هذا الملف.
في هذا السياق، يُطالب طيف واسع من المواطنين باتخاذ إجراءات حاسمة تجاه الجماعة، ويرى أن غياب القرار الواضح يُضعف هيبة الدولة، هذا التيار، الذي يمثّل امتدادًا حقيقيًا للمؤسسات الوطنية، ينظر إلى الحسم القانوني المنضبط كضمانة للاستقرار، وكعنوان لاحترام السيادة وهيبة القانون.
وقد طُرح هذا السؤال سابقًا عند صدور قرار "حل الجماعة" عام 2020 من قبل القضاء الأردني، إلا أن القرار، رغم أهميته القانونية، لم يرتب أثرًا تجريميًا على ممارسة النشاطات باسم الجماعة، ما أتاح لها مواصلة التحرك بشكل فردي أو تحت مسميات مختلفة دون ملاحقة قانونية حقيقية، هذا الواقع أوجد منطقة رمادية مكّنت الجماعة من الاستمرار بالتأثير، وأبقت الدولة أمام استحقاق لم يُحسم بعد.
في هذا السياق، يبرز الحديث اليوم عن "الحظر" كمسار قانوني مختلف في طبيعته وتبعاته، إذ يحمل في طياته تجريمًا صريحًا للانتماء والدعم والنشاط التنظيمي، وبينما ظل المشهد خلال السنوات الماضية ضبابيًا، فإن الدولة الآن مدعوّة إلى مغادرة هذه المساحات الرمادية، واتخاذ موقف واضح عبر واحد من ثلاثة مسارات محتملة، خاصة في ظل جمهور وطني محافظ، يعبّر بوضوح عن شعور بالغُبن، ويتطلّع إلى حسم لا لبس فيه.
أولًا: الحظر الكامل بموجب قانون منع الإرهاب رقم 55 لسنة 2006
وهو الخيار الأكثر حسمًا، إذ يتيح تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي في حال ثبوت تورط أعضائها أو مناصريها بأعمال إرهابية أو تحريضية، ويترتب عليه تجريم شامل لأي نشاط تنظيمي أو فكري أو إعلامي يرتبط بها، مع محاسبة من يمارس أي عمل باسم الجماعة أمام المحاكم العسكرية.
ومن المرجح أن يبعث هذا الخيار برسالة قوة حاسمة، ويخاطب جمهورًا واسعًا يطالب بإنهاء التردد، لكنه في الوقت ذاته قد يُفهم كصدام مباشر مع مكوّن فكري تقليدي. كما أن الحزب المرتبط بالجماعة سيكون أمام موقف قانوني معقّد؛ إذ قد يُنظر إليه كامتداد تنظيمي للجماعة، ما يعرّضه لإجراءات قانونية قد تشمل وقف أنشطته مؤقتًا، ويفرض عليه خوض معركة قانونية طويلة أمام القضاء، قد تستغرق أشهرًا أو أكثر، وهذا قد يعرّض الحزب لإجراءات قانونية قد تصل إلى حلّه.
ثانيًا: الحظر الإداري من خلال قانون الجمعيات رقم 51 لسنة 2008
ويُنفّذ من خلال إصدار نظام خاص يمنع إعادة تشكيل الجماعة أو العمل تحت مظلات جديدة، كما يمنع رفع راياتها خلال الفعاليات العامة، ويقيّد تناول خطابها وبياناتها في الإعلام، ويُحاسَب من يمارس أي نشاط باسمها أمام المحاكم المدنية.
ويُعدّ هذا الخيار أقل حدّة من التصنيف الإرهابي، لكنه يشكّل ضربة إدارية تسحب أي شرعية عن نشاطات الجماعة، وقد يُطلب من الحزب المرتبط بها اتخاذ موقف قانوني واضح يفصل نفسه عنها، تفاديًا لأي امتدادات قانونية لاحقة، كما أن هذا الحزب، وإن لم يكن مشمولًا بقرار الحظر، قد يجد نفسه أمام حالة "تعليق ضمني" للنشاط، في حال ربطته صلات تنظيمية أو فكرية وثيقة بالجماعة، ما يفتح الباب أمام مرافعات قانونية قد تؤدي إلى تجميد أنشطته لفترة غير قصيرة.
ثالثًا: الفصل بين الأفراد والتنظيم مع تشديد الرقابة
يقوم هذا الخيار على محاسبة الأفراد المتورطين بأعمال غير قانونية دون تعميم الاتهام على الجماعة ككل، مع إبقائها تحت رقابة أمنية ومجتمعية مشددة، دون اتخاذ قرار قانوني حاسم في المرحلة الحالية، ودون أي ترتيبات قانونية ممكن أن تنشئ على حزب جبهة العمل الإسلامي.
ومن ينظر إلى هذا القرار يراه مرناً نوعاً ما، لكنه قد يُفسَّر من قبل جمهور واسع، لا سيما من التيار المحافظ الوطني، على أنه تردد يضعف هيبة الدولة، كما أنه لا يُخرج الدولة من المنطقة الرمادية، ما قد يؤدي إلى استمرار الشكوك وتآكل الثقة، إن لم يُقرَن بخطاب واضح وممارسات حازمة.
كل مسار من هذه المسارات يحمل تبعاته. فالحظر الكامل ينهي الغموض، والحظر الإداري يوازن بين القانون والاستقرار لكنه يتطلب نفسًا طويلًا، أما خيار الفصل مع الرقابة فيؤجل الحسم ويُبقي المسألة مفتوحة، ما قد يُفقد الدولة زمام المبادرة في أعين جمهور ينتظر الوضوح.
لقد أثبتت الدولة الأردنية، عبر تجاربها، قدرتها على التوازن بين مقتضيات الأمن وحسابات السياسة، وبين تطبيق القانون واحترام التعدد. وما تواجهه اليوم ليس نقصًا في الخيارات، بل مسؤولية في اتخاذ القرار المناسب، في توقيت مناسب، وبخطاب واضح لا يترك المجال للتأويل أو التردد.
ختامًا، فإن المشهد معقّد، والقرارات دقيقة، لكن الثقة بالدولة تبقى راسخة، طالما أنها تملك الإرادة، وتتحرك بوضوح، وتضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار. فالحسم المدروس أقوى من الإرجاء، والرسالة الصريحة أنفع من المساحات الرمادية. والمجتمع الأردني، كما عهدناه، قادر على الفهم والتماسك حين تكون الدولة عادلة وواضحة.