facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بورصة التعليم .. ومزاجية القرارات


مصطفى توفيق ابورمان
26-05-2025 11:13 PM

في وطنٍ نفاخر به الدنيا ونعتز بانتمائنا لترابه، احتفلنا يوم أمس بعيد الاستقلال التاسع والسبعين بكل فخر واعتزاز، في لوحةٍ وطنيةٍ مشرّفة جسّدت التناسق الجميل في الأعراف والانتماءات، من شتى المنابت والأصول، تحت سماءٍ أردنيةٍ واحدةٍ لا تميّز فيها إلا بالعطاء والانتماء.

وفي ظل هذا الشعور الوطني الجارف، آثرت أن أؤجل نشر هذه المقالة إلى ما بعد هذا العرس الوطني، حتى لا تُفسَّر حروفي على غير معناها، أو تُقرأ في غير سياقها، من بعض من يعانون أمراض التأويل وسوء الظن، فأنا اليوم لا أهاجم الوطن، بل أدافع عن مستقبل أبنائه، وأدعو لإعادة التوازن في مؤسسة تعدّ من أهم ركائز بناء الأوطان: التعليم.

قرارات لا تُراعي إلا البورصة

عندما اخترت لمقالي هذا العنوان “بورصة التعليم ومزاجية القرارات”، لم أكن أبحث عن التشويق، بل كنت أصف واقعاً ملموساً أصبحت فيه القرارات التعليمية خاضعة لمزاج المسؤول، ومصلحة بعض المؤسسات، لا لمستقبل الطلبة أو قدراتهم ولا لميزانيات أهاليهم المرهقة أصلًا.

نأخذ على سبيل المثال لا الحصر، تخصصات الحقل الطبي، وعلى رأسها الطب البشري. إذ قررت الجهات المعنية -وزارة التعليم العالي ومجلس اعتماد الجامعات رفع معدل القبول لدراسة الطب خارج الأردن إلى 90%، بينما أبقت معدل القبول داخل الجامعات الأردنية على 85%! فهل يُعقل أن يكون الخارج أصعب من الداخل؟

النتيجة واضحة: القرار موجّه لدعم الجامعات الخاصة، وتحديدًا تلك التي حصلت مؤخرًا على تراخيص لتدريس الطب، سواء كانت حديثة العهد أو قديمة قامت بتحديث برامجها لتستوعب هذا التخصص.

عندما كان التعليم رسالة لا سلعة

ولمن فاته التاريخ، نُذكّر بأن الجامعات العريقة في روسيا ورومانيا وشرق أوروبا، كانت في سبعينيات القرن الماضي وحتى مطلع الألفية الجديدة، تقبل أي طالب حاصل على الثانوية العامة، دون اشتراط المعدلات التعجيزية، ودون التمييز بين فرعٍ علمي أو أدبي.

وقد عاد من تلك الجامعات آلاف الأطباء الذين خدموا هذا الوطن بجدارة، في الخدمات الطبية الملكية، وفي وزارة الصحة، وفتحوا عياداتهم ومستشفياتهم الخاصة، وبعضهم نالوا شهرةً عربية وعالمية نفتخر بها حتى اليوم.

فما الذي تغيّر؟ ولماذا يُحرم اليوم طالبٌ شغوفٌ بطب العيون أو الأعصاب، فقط لأنه لا يستطيع دفع 20 أو 30 ألف دينار سنويًا لجامعة خاصة محليّة؟ هل أصبح مستقبلنا رهينًا بـ “البورصة” التعليمية؟

قرارات بجرّة قلم… تسرق سنوات العمر

لن أتحدث عن الآخرين فقط، بل سأعرض مثالًا صارخًا وقع أمام أعيننا جميعًا:

طلبة الدبلوم الناجحين في امتحان الشامل، والذين أنهوا عامين ونصف من الدراسة. كان يُعادَل لهم حتى وقت قريب أكثر من 70 ساعة معتمدة في الجامعات إذا قرروا إكمال دراستهم لنيل البكالوريوس. لكن بجرّة قلم، تغيّر القرار، وصار يُحسب لهم 35 ساعة فقط!

وبينما الطُلاب الذين سبقوهم بشهرين نالوا معادلة 70 ساعة، وجد هؤلاء أنفسهم مضطرين لإعادة دراسة ما درسه زملاؤهم، وتحمل كلفة إضافية مادية وزمنية ونفسية، لا لذنبٍ ارتكبوه، بل لأن مسؤولاً ما استيقظ بمزاجٍ مختلف.

عندما تكون الوثيقة الأردنية بلا قيمة خارج حدودها

تجربتي الشخصية أيضاً لم تكن بعيدة عن هذا الواقع المؤلم.

حين قررت التقديم إلى جامعة نيويورك لدراسة الإدارة، ذهبت حاملاً “كرتونة” الثانوية العامة الأردنية، متفاخرًا بمعدلٍ جيدٍ جداً، ظننتُ أنه سيُفتح لي الأبواب. لكن مفاجأتي كانت صادمة، حين قالت لي مديرة التسجيل هناك: “هذه الوثيقة لا تعني لنا شيئًا. أحضر لنا شهاداتك من الصف التاسع إلى الثالث عشر، وسنقيمك على هذا الأساس.”

هل تُصدّقون؟ شهادة الثانوية العامة الأردنية لم تكن كافية!

ومع ذلك ما زلنا نُعاملها في الداخل وكأنها مفتاح العبور الوحيد، بينما العالم يتطوّر نحو تقييم شامل للطالب، لا مجرد رقم محصور في ورقة!

هل أصبح التعليم في وطني حكرًا على طبقة؟

أسئلة كثيرة تؤرقني كمواطن أولًا، وكوالد يرى أحلام أبنائه تتلاشى أمام قرارات غير مدروسة:

* هل أصبح التعليم في وطني حكرًا على أصحاب النفوذ المالي والسياسي؟

* هل اختُزل مستقبل الشباب بمزاج لجنة أو توجهات بعض أصحاب المصالح؟

* وهل تُبنى الأوطان بإقصاء الطموحين، لا بتمكينهم؟

في الختام

لا نكتب اليوم إلا دفاعًا عن أبنائنا، وعن وطنٍ نريده أن يبقى مشعلًا في الإقليم، لا سوقًا لتصريف البرامج التعليمية الجامدة.

نريد قرارات عادلة، شفافة، تستند إلى رؤية وطنية، لا إلى مصالح مؤقتة أو ضغوط خاصة.

التعليم ليس بورصة، ومصير الطلبة لا يجب أن يكون ورقة مساومة.

وإذا أردنا أن نحتفل في كل عام بعيد استقلال جديد، فلنمنح أبناءنا استقلالهم من الخوف، ومن ظلم القرارات المفاجئة، ومن قيد الأرقام التي لا تقيس قدراتهم، ولا تطلّعاتهم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :