facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الإسلام المعتدل والسياسي: اختلاف المفهوم والمآل


د. عبدالله حسين العزام
27-05-2025 07:58 AM

"هنيئا لمن أدركها وذكّر بها غيره"... بهذه العبارة طلب مني أحد الطلبة أن اتيح له المجال بإدراج تذكيرًا بقيمة صيام العشر الأوائل من ذي الحجة في إحدى المجموعات الطلابية التي أشرف عليها. لم أتردد، ورددت عليه ببساطة: "فعل الخير ما بده مشورة"، والعبارة اقتبستها من أحد أقاربي ويرددها غالباً على مسامعي أثناء تواصلي معه، لكن ما أثار انتباهي هو تعقيبه الصادق: "أشكرك دكتور، بعرف والله، بس المرة الماضية بعتت هيك شي ع قروب فالدكتور طردني منو وبلغني إنو موافقته لو تمت كانت تحتمل تفسيرات وهو ما بعرف تفاصيل الطلاب في الشعبة".

هنا لم يعد الموضوع مجرد تذكير موسمي بعبادة، بل تحوّل إلى تساؤل أعمق حول مساحات التعبير عن القيم الدينية في فضاءات التعليم والتواصل الرقمي، وحدود المبادرة الفردية حين تصطدم بالإجراءات الإدارية أو حساسيات التأويل، من هنا انطلقت فكرة هذا المقال الذي كتب تحت عنوان "الإسلام المعتدل مقابل الإسلام السياسي" لقراءة هذا التداخل بين ما هو معتدل وإيماني وروحي وإنساني كقيمة جامعة وبين ما هو سياسي!.

يشير مصطلح "الإسلام المعتدل" إلى فهم للإسلام يقوم على التوازن بين النصوص الشرعية ومتطلبات العصر، ويركّز على قيم التسامح، والتعايش، والانفتاح على الآخر، ويدعو إلى المشاركة الإيجابية في الحياة المدنية من دون السعي إلى الهيمنة على المجال السياسي، إذ يتميّز الإسلام المعتدل بما يلي: احترام المؤسسات والقوانين الوطنية والقبول بالتعددية السياسية والدينية، والدعوة بالحكمة والموعظة، والتفاعل الإيجابي مع الحداثة ضمن ضوابط الشريعة الإسلامية.

أما "الإسلام السياسي" فهو مفهوم أوسع يُستخدم لوصف التيارات والحركات التي ترى أن الإسلام ليس فقط دينًا، بل نظام حكم متكامل يجب أن يُطبَّق في كل مناحي الحياة، وتتباين هذه الحركات من حيث الوسائل بين من ينخرط في العمل السياسي السلمي ومن يتبنى العنف كأداة للتغيير، ولعل أبرز الإشكاليات التي يثيرها الإسلام السياسي: اختزال الإسلام في بُعد سياسي واحد علاوة على استغلال المشاعر الدينية لتحقيق مكاسب حزبية، وتعميق الاستقطاب داخل المجتمعات، إضافة إلى التناقض أحيانًا بين الشعارات الدينية والممارسات السياسية الواقعية.

وفي هذا الصدد لا بدّ من الإشارة إلى أن الرسالة الدينية للدولة الأردنية تقوم على نهج الإسلام المعتدل كنهج ديني ورسمي في مؤسساته الرسمية والدينية والسياسية والأكاديمية وعلى قيم الحوار الديني والتعددية وقبول الآخر، وهذا واضح بصورة كبيرة من السياسات الدينية الرسمية خلال قرن كامل، فاتخذت طابع الانفتاح على المذاهب الفقهية والدينية المختلفة، ونبذ التعصب الديني والطائفي وهو ما تجلى في إطلاق رسالة عمان للحوار بين الأديان والثقافات عام 2004، والتي تمثل حجر الزاوية في نهج الأردن المعتدل، وقد أطلقت بمبادرة ملكية لتوضيح جوهر الإسلام الصحيح ومحاربة الغلو والتكفير وحظيت بدعم واسع من علماء ومفكرين في العالم الإسلامي، وهي تلك التي جعلت من محاربة التطرف والتكفير والتعصب جزءًا من الدبلوماسية السياسية والدينية للأردن، وفي مكافحة الإرهاب عبر تعزيز ثقافة مضادة لثقافة الإرهاب والقتل والتدمير التي تبنتها الجماعات المتطرفة، وشوهت صورة الإسلام ليس في الغرب فقط بل حتى في أذهان العديد من أبناءه المسلمين، لذلك أعلن الملك عبدالله الثاني رسالة عمان لمواجهة هذه الأفكار المغلوطة في العالم الإسلامي والمنطقة التي تعاني من صراعات أيديولوجية حادة، والغرب على حد سواء، ليبرز النموذج الأردني كأكثر النماذج اتزانا وفاعلية إذ ينص الدستور الأردني على أن الإسلام دين الدولة لكنه يفصل بين الدين كمصدر للقيم والسياسة كمجال تعددي، واللغة العربية لغتها الرسمية، ويمثل الأردن نموذجاً منفرداً في العالم العربي في دمج الإسلام المعتدل بالهوية الوطنية، مع حماية اللغة العربية كعنصر جامع للمجتمع، فالخطاب الديني في المملكة ليس منفصلًا عن الثقافة، ولا اللغة معزولة عن الدين، بل يتكاملان لبناء دولة مدنية قوية، تتعامل مع العالم بلغة العقل والحوار والانفتاح دون التفريط بالجذور الأصيلة.

وبكل تأكيد لا تعني الدعوة إلى الإسلام المعتدل التخلي عن الدين أو قيمه، فيبقى الإسلام، في جوهره وتعاليمه، دين فطرة وعدل ورحمة، يهدي الإنسان إلى سواء السبيل، ويمنحه كرامة المعنى وسمو الغاية، لكن الاسلام المعتدل يهدف إلى تقديم نموذج ينسجم مع واقع المجتمعات الحديثة، ويحافظ على جوهر الإسلام بعيدًا عن التوظيف السياسي الذي كثيرًا ما يفرّغ الدين من محتواه الروحي والإنساني، أما الإسلام السياسي، فتبقى فاعليته مرهونة بقدرته على التكيّف مع متطلبات الدولة الحديثة واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية، دون السعي إلى احتكار الإسلام أو الحقيقة أو السلطة!

ختاماً في الوقت الذي تتوسع فيه الصراعات الأيديولوجية الحادة في المنطقة، يبرز الإسلام المعتدل كضرورة حضارية وخيار ديني، يسعى إلى بناء مجتمع متماسك يعيش فيه الناس باختلافاتهم ضمن إطار من الحرية والرحمة والعدالة.

أما الإسلام السياسي، فرغم ما يرفعه من شعارات، كثيرًا ما يقع في مأزق التوظيف الأيديولوجي للدين، حيث تُختزل العقيدة في برامج حزبية، ويُسخّر الخطاب الديني لخدمة مشروع سياسي قد يتغير بتغير المصالح.

وفي نهاية المطاف، فإن الفرق بين الإسلام المعتدل والإسلام السياسي ليس فقط في اللغة أو الشعارات، بل في الرؤية تجاه الإنسان والدولة والمجتمع، فالإسلام المعتدل يبني، بينما كثير من تجارب الإسلام السياسي تهدم من حيث لا تدري، حين تجعل من الدين ساحة صراع بدلاً من أن يكون مظلة سلام للجميع.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :