في لحظةٍ تجلَّت فيها عزةُ الأردنِ وصرختْ فيها كرامتُه، وقفَ الوزيرُ الأسبقُ والإعلاميُّ الأنيقُ محمد داودية كالفارسِ المغوارِ، يردُّ كيدَ المُتربِّصينَ بلسانٍ لا يعرفُ إلا لغةَ الشرفِ. فحينَ تجرَّأتْ مذيعةٌ على اتهامِ الأردنِ بفتحِ أجوائِهِ للطيرانِ الإسرائيليّ، انبرى لها داوديةُ كالسَّيلِ الجارفِ، يُحطِّمُ أكاذيبَها بحججٍ كالجبالِ الرواسي.

لم يكنْ ردُّهُ مجردَ كلماتٍ تُقالُ، بل كانَ زئيرَ أسدٍ يُدافعُ عن عرينِهِ. أكَّدَ أنَّ سماءَ الأردنِ ليستْ سوقاً للعبورِ، ولا تُباعُ بالمزادِ، بل هي حرامٌ على كلِّ طائرةٍ تحملُ نارَ العدوانِ. فالأردنُ، برمالِهِ الذهبيةِ وجبالِهِ الشمَّاءِ، لمْ يرضَ أن يكونَ جسراً للعدوِّ، ولا ساحةً للمناوراتِ المشبوهةِ.

والحقُّ يُقالُ، إنَّ الجيشَ الأردنيَّ، بتلكَ العيونِ الساهرةِ والراداراتِ التي لا تنامُ، يرصدُ كلَّ ذبابةٍ تعبرُ في الفضاءِ. فما بالُك بالصواريخِ التي تحاولُ اختراقَ السماواتِ؟ إنَّها تمرُّ كالخيالِ في أعالي الجوِّ، لا تمسُّ ترابَ الأردنَ الطاهرَ، ولا تُخدشُ سيادتَهُ التي هي أغلى من الدمِ.

لقد ظلَّ الأردنُ، كالطائرِ الحرِّ، يحلقُ فوقَ مستنقعِ الصراعاتِ بجناحَيِ الحكمةِ والحيادِ. فهو لا ينحازُ إلا للحقِّ، ولا يركعُ إلا لله. قيادتُهُ الهاشميةُ، بتلكَ الحنكةِ التي ورثتها عن الجدودِ، تعرفُ كيفَ تحفظُ الدمَ وتصونُ الأرضَ. فليعلمْ كلُّ من تسوِّلُ له نفسُهُ العبثَ بأمنِ الأردنِ أنَّ أسودَهُ لن تسمحَ بذلكَ، وسيكونُ الردُّ كالعاصفةِ تُذرِي الرمادَ.

وها هو داوديةُ، بموقفِهِ الشجاعِ، يُذكِّرُنا أنَّ الإعلامَ الأردنيَّ ليسَ منابرَ للتهريجِ، بل هو سيفٌ مصقولٌ يقطعُ دابرَ الكذبِ. فشكراً لرجالٍ مثلَهُ، يُعيدونَ للأذهانِ أنَّ الأردنَ، برجالاتِهِ وشبابِهِ، باقٍ كالشمسِ، لا يُغيِّبُها غربابٌ ولا سحابٌ.