حرب اسرائيل على ايران .. نظرة تحليلية
كمال زكارنة
16-06-2025 09:46 AM
غرور نتنياهو دفعه الى اعلان الحرب على ايران، وفتح اكبر واخطر جبهة عسكرية مع اقوى واكبر خصم للكيان في الشرق الاوسط، معتقدا ان حربه على ايران سوف تقتصر على هجمات جوية اسرائيلية من جانب واحد، وان ايران سوف تتلقى الضربات وتتكبد الخسائر دون ان تتمكن من الرد، معتمدا في ذلك على نموذج حزب الله في لبنان.
وقام نتنياهو بتطبيق نفس النموذج الذي تعاملت به اسرائيل مع حزب الله، حيث ركزت على اختراق المنظومة الامنية الايرائية بشكل كبير وواسع ،مما ساعدها في توجيه ضربة جوية قوية جدا لايران، بالتعاون والتنسيق مع مجموعات الموساد واعوانهم على الارض في الداخل الايراني.
صحيح ان تلك الضربة الجوية الاسرائيلية،تسببت باضرار كبيرة، وادت الى اغتيال اكثر من عشرين قياديا عسكريا وامنيا ايرانيا دفعة واحدة، لكن استطاعت ايران امتصاص الضربة الاولى واستيعابها ،والانتقال خلال ساعات الى حالة الدفاع والهجوم، ولم تتأخر في الرد الصاروخي القوي على الهجوم الاسرائيلي، كما تمكنت من كشف خلايا العملاء والجواسيس واعدامهم، والعودة الى الوضع الطبيعي في التعامل مع الهجمات الاسرائيلية والرد عليها.
لماذا ارتكب نتنياهو هذه الحماقة واشعل جبهة لا يستطيع كسب الحرب فيها ،ولا تحديد نتائجها ولا التحكم بمسارها ونهايتها؟
لا بد ان في رأس ومخ وعقل نتنياهو اهداف استراتيجية يعمل على تحقيقها، ابرزها ،ان اسرائيل خسرت وتعذبت وعانت كثيرا ،من نشاط وعمل اذرع المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق واحيانا سوريا ،ولم تستطع اسرائيل بكل قوتها وجبروتها القضاء على تلك الاذرع ،التي تعود للنمو والنشاط والمقاومة بعد كل ضربة اسرائيلية، ووجد نتنياهو ان الخيار الافضل بالنسبة له هزيمة المصدر الرئيسي الممول والمغذي والمسلح لها وهي ايران،فقام بمهاجمة هذا البلد للتخلص منه ومن اذرع المقاومة.
الهدف الاخر، تغيير شكل ووجه الشرق الاوسط ،كما يعلن دائما،وهو يرى حاليا، ان العائق الوحيد امام تحقيق هذا الهدف هو ايران، ودون هزيمتها واجبارها على الاستسلام، لا يستطيع استبدال الشرق الاوسط الحالي بمملكة يهودا الكبرى ،وفرض السيطرة الامنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية الاسرائيلية على المنطقة، وتنصيب نفسه ملكا وسيدا عليها،والهدف الثالث منع اي دولة عربية اواسلامية، امتلاك اي نوع من السلاح والتسلح الذي قد يهدد امن اسرائيل ووجودها.
لكن ايران لديها قدرة كبيرة على التحمل والصبر والاستعداد للتضحيات ،والنفس الطويل على مواصلة الحرب،على عكس قدرات اسرائيل المحدودة جدا في هذا الجانب، وهي تعتمد على الحرب السريعة وهزيمة الخصم سريعا دون دفع اي ثمن.
حتى الان موازين الحرب متكافئة تقريبا،حيث تقوم اسرائيل باعمال القصف الجوي وترد ايران بالقصف الصاروخي المؤثر ايضا والمدمر ،وهذا ما لم تعتد عليه اسرائيل،وتتسبب الصواريخ الايرانية بقتل وجرح مئات الاسرائيليين، واحداث دمار هائل في البنى التحتية الاسرائيلية المهمة والاستراتيجية العسكرية والمدنية.
ايران دولة كبيرة مساحة وسكانا ،ولديها ثروات ضخمة وتستطيع الصمود طويلا والاعتماد على ذاتها،بينما تعتمد اسرائيل على مساعدات امريكية واوروبية ،والقدرة على تحمل حرب الاستنزاف تميل كثيرا لصالح ايران.
بينما من حيث التحالفات والحلفاء ،فان اسرائيل تتفوق على ايران بهذا الموضوع،لان حلفاء الكيان اكثر اخلاصا ووفاء واستعدادا لمساعدة اسرائيل والدفاع عنها ،فيما لا تملك ايران هكذا حلفاء ،لكنها تملك الاصدقاء ،وهناك فرق كبير بين الصديق والحليف.
دعوة ترمب ايران للعودة الى المفاوضات ،واضحة ومعروفة، فهو عمليا يقول للوفد الايراني تعالوا ومعكم اقلامكم للتوقيع على الشروط الاسرائيلية قبل ان تقرأوها ،ويمكنكم قراءتها بعد التوقيع عليها،اي عليكم ان تعلنوا الاستسلام الكامل.
الخلاصة ان ايران لن تستسلم ولن تنهزم ولديها اوراق كثيرة جدا لاستخدامها في هذه الحرب،اهمها وقف التجارة العالمية في البحر الاحمر ومضيق هرمز وباب المندب، واسلحة نووية وصواريخ متطورة جدا لم تستخدمها بعد واسلحة البلازما الفتاكة،واسرائيل لن تستطيع الاستمرار وتحمل نتائج وخسائر حرب استنزاف طويلة مع ايران ،وربما تعود ساحات المقاومة الى نشاطها السابق.
ان اكثر ما تخشاه اسرائيل اليوم ،هو قيام ايران وحلفائها في العراق واليمن ولبنان وسوريا ،باجتياح بري واسع لفلسطين المحتلة 1948 عبر الحدود السورية واللبنانية.
قد يكون نتنياهو اخطر زعيم اسرائيلي يهدد وجود اسرائيل ،بسبب حماقاته وغروره وتطلعاته التوسعية العدوانية والاجرامية .