facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




جنود صاروا وزراء… وما خانوا


مصطفى توفيق ابورمان
17-06-2025 10:22 AM

في تاريخ الأردن السياسي، تتكرر أسماء وتُنسى أخرى، لكنّ الأثر لا يُمحى، والوفاء للوطن لا يحتاج شهادة توثيق. وبينما توالت على الوزارات شخصيات من كل المشارب، بقيت أسماء الوزراء الذين جاؤوا من رحم المؤسسة العسكرية مميزة بطابعها، ومُتّسمة بخصال لا تتكرر كثيرًا في عالم السياسة: الانضباط، النزاهة، الصرامة في إدارة الشأن العام، والأهم: الولاء الصادق غير المشروط للأردن وقيادته.

من ميادين الشرف إلى مكاتب القرار

دخل أولئك الرجال من باب الجندية، ومكثوا سنينهم في معسكرات التدريب والمناورات، في الظروف الصعبة والحدود الملتهبة، قبل أن يُستدعَوا إلى العمل العام من قبل القيادة الهاشمية، لا استرضاءً ولا محاصصةً، بل لأن الوطن كان بحاجة إلى من “يخدم” لا من “يحكم”، ومن “يبني” لا من “يظهر”، ومن “يعطي” دون أن يُرائي.

من هؤلاء:
• الأمير زيد بن شاكر، القائد العسكري المحنك، الذي قاد الحكومة كما كان يقود الكتائب؛ بهدوء الصقر ويقظة الحارس.
• معروف البخيت، رجل الاستخبارات والدبلوماسية، تولى المسؤولية في أحلك الفترات دون أن تهتزّ له اليد أو الكلمة.
• الدكتور عبدالسلام المجالي، الذي انتقل من الطب العسكري إلى السياسة بقلب الطبيب، وعقل الإداري، وضمير المواطن.
• الفريق محمد الملكاوي واللواء حسين المجالي، وغيرهم من الذين حملوا الوطن في صدورهم لا على أكتافهم، فكانوا وزراء دولة لا أصحاب مصالح.

العسكرية تصقل ولا تُجمل

العسكري في الأردن لا يتخرج بورقة، بل يُشكّل في معمل الانضباط والالتزام. فالجيش لا يخرجُ فصيحًا سياسيًا، لكنه يصنع رجلًا يُحسن التقدير، لا يهوى التراخي، ولا يسمح بالتهاون.

في المؤسسة العسكرية:
• تعلموا أن الخطأ ثغرة في أمن الدولة.
• وأن المال العام حرمةٌ لا تُمس.
• وأن الأمن القومي لا يُهادن ولا يُجامل.
• وأن المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.

لذا، حين تقلدوا المناصب، لم يجلبوا معهم صفقات مشبوهة، ولا اجتهدوا في تمرير قانون يخدم فئة أو شخصًا أو جيبًا. كانت أعينهم على الدولة، لا على أنفسهم.

تجربة المدنيين: بين الكفاءة والتسيّب

لسنا هنا في مقام التعميم، ولا الإساءة إلى من خدم من خارج المؤسسة العسكرية بإخلاص وتفانٍ، فبين المدنيين من عُرفوا بالكفاءة والالتزام. لكن الفارق يكمن في الخلفية التي تصنع القرار.

فالذي نشأ في بيئة مدنية ـ خصوصًا إن تسلّق عبر العلاقات والنفوذ ـ قد يتعامل مع المنصب كفرصة شخصية، لا واجب وطني.
وقد شهدت بعض العهود المدنية:
• تفكيك مؤسسات الدولة تحت شعار “الخصخصة”.
• تغوّل نخبة اقتصادية على القرار السياسي.
• تآكل الثقة بين المواطن والدولة نتيجة سوء الإدارة وغياب القدوة.

ولعل أبرز الأمثلة في الذاكرة الوطنية هو ما جرى خلال عقد التحول الاقتصادي، حين بيعت مقدرات الدولة بأثمان لا تليق، وجرى تقليص دور القطاع العام لصالح مصالح خاصة، بواجهة تحديث مزيفة، وواقع يعاني منه الأردنيون حتى اليوم.

لماذا نجح العسكريون؟

لأنهم ببساطة لم يأتوا بخطط استعراضية، بل بإرث من الالتزام،
لم يأتوا ليُجاملوا، بل ليُصلحوا،
لم يأتوا ببرامج مستوردة، بل بخارطة انتماء محفورة في القلب.
العسكريون لم يُعرف عنهم التهاون في المال العام، ولم تلاحقهم ملفات فساد، ولم يُذكر عنهم عبث في هوية الدولة. ولعل ذلك راجع إلى تربيتهم تحت راية الجيش العربي، وارتباطهم الوثيق بالقيادة الهاشمية في أحلك المراحل، حين كان الجندي يُربّى على أن الأردن أولوية لا مساومة فيها، وأن أمنه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لا يُهدى، ولا يُساوَم عليه، ولا يُؤمّن عليه في البورصات.

رجال الدولة لا نجوم الشاشات

العسكري الوزير لا يهوى الأضواء، ولا يدور في فلك الإعلام، ولا يخطب ود الشارع بالشعارات. هو باختصار، “رجل دولة”، له يد في حماية الحدود، وأخرى في حماية القرار. ومن عرف الجندية، لا يمكن أن يقايض وطنه بالمصالح، ولا أن يصمت على فساد، ولا أن يتواطأ مع سماسرة الدولة.

خاتمة
في زمن أصبحت فيه المناصب تُسند في بعض الأحيان للتابعين لا للكفوئين، نحتاج إلى عودة النموذج العسكري الصادق، ليس سطوة، بل انضباطًا، ليس قسوة، بل صرامة نزيهة.

جنود صاروا وزراء… وما خانوا.
لأنهم حين أقسموا على حماية الوطن، فعلوها بصدق،
وحين طلب منهم أن يديروا شؤون الناس، فعلوها بأمانة.
فلنستحضر سيرتهم، لا لنقارن فقط، بل لنستعيد المعنى الأصيل:
أن من يخدم الوطن لا بد أن يسبق الجميع،
وأن الصدق في حب الوطن… لا يتقاعد.

* روائي وباحث في التاريخ السياسي والاجتماعي الأردني





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :