محمد بين مدرب يُلهم ومعلّمة تَحكم
د. هاشم محمود الزيود
30-06-2025 11:41 AM
في يوم صيفي عادي، بدأ محمد مغامرته الأولى في ناديه الصيفي.
ارتدى قبعته كأنّه خارج لمعركة مصيرية، ودّع والدته بنظرة المنتصر والواثق من نفسه قبل الصافرة.
وفي نهاية اليوم، عاد يلوّح بميدالية لامعة حول عنقه، كأنها الكرة الذهبية، وقد تمّ تتويجه كأفضل حارس مرمى في النادي.
طوال المساء، لا تسمع غير:
تصدّيت لضربة جزاء
أنقذت الشباك
سأكون مثل أبو ليلى
المدرب قال لي: أنت صخرة المرمى يا محمد
قالت له أمه ممازحة:
الميدالية تحتاج إلى إخوة.
تبسّم ضاحكًا وقد فهم المقصود:
لا عليكِ، سآتي بهم كما وعدتكِ.
عاش لحظة مجده كاملة، وهي عاشت معه كل تفاصيلها… لأتها كانت بحاجة إلى هذا الانتصار الصغير، مثله تمامًا.
ثم جاءت التجربة الأخرى في ذات اليوم: حصة تحفيظ القرآن الكريم، مع معلمة جديدة.
دخل محمد متحمسًا، فهو يحفظ ويحتاج إلى التثبيت، لكنه خرج كئيبًا… صامتًا… كأنّه عائد من محكمة تأديبية.
وعندما سألته:
شو صار؟
ردّ بجملة اختصرت كل شيء:
قالت عني قليل أدب... أقسم بالله ما أرجع.
وهنا... لا مجال للنكتة ولا للمبالغة.
ففي أقل من ساعتين، عُبّدت أمام محمد طريقان متوازيان:
• طريق محفوف بالميداليات، بالتحفيز، والثقة بالنفس.
• وآخر محفوف بالحكم، والنفور، وانطفاء الحماسة من أول موقف.
الأم هي من زرعت في محمد الحماس للرياضة، كما زرعت فيه الحماس للقرآن.
هيّأته للموازنة بين الدنيا والآخرة، وحدثته كثيرًا أن الرياضة أخلاق، قبل أن تكون عضلات، وأن العقل السليم في الجسم السليم، لكن العقل لا يُبنى حقًا إلا على أساس متين… وأوله هو القرآن الكريم.
علّمته أن يحترم من يُعلّمه، ومن يُدرّبه، فكلاهما له فضلٌ عليه… وكانت تظن أنها بذلك أعدّته لمواجهة الحياة بعدل واتزان.
ولكن هنالك من كانت له كلمة أخرى...
شكرًا لكل من رأى أجمل ما فينا، فكبّره، وكرّمه، وجعلنا نؤمن بأنفسنا أكثر.
وسامح الله من رأى أسوأ ما فينا… ولم يحاول تجاوزه.
محمد؟
لا تقلقوا عليه… سيعود للنادي غدًا، يرفع ميدالية جديدة، ويبحث عمن يفتح له بابًا آخر نحو القرآن، دون أن يُغلق عليه نوافذ المحبة والاحترام.
وأنا؟
أقترح على أم محمد أن تطلب من مدربه… إعطاء دروس في التحفيظ.
فلعلّ في احتضان الكرات، ما يُعلّمنا كيف نحتضن الأطفال، بدلًا من صدهم وقذفهم بعيداً، باتجاه معاكس تحت عنوان “التهذيب”، فيعودوا من خلال ركنية، أو جزاء يصعب صدها.
فلنختر كلماتنا كما نختار مدربينا… فبعض الجُمل، تبني أطفالًا، وبعضها الآخر… يهدمهم وهم بعدُ في عمر الأمل.