إلّا أموال الضمان الاجتماعي
مصطفى توفيق ابورمان
22-07-2025 12:29 PM
* صمام الأمان لا يتحمل عبث العابثين
في كل دولة تسعى إلى تحقيق الحد الأدنى من العدالة والاستقرار الاجتماعي، يكون صندوق الضمان الاجتماعي بمثابة صمام الأمان للأجيال، وخط الدفاع الأخير أمام تقلبات الاقتصاد، وشيخوخة المواطنين، وتقلبات سوق العمل. أما في الأردن، فإن مؤسسة الضمان الاجتماعي لا تمثل فقط حماية للمتقاعدين والمؤمَّن عليهم، بل هي الملاذ الذي يلوذ به مئات الآلاف من الأسر الأردنية عند الشدة، وهي حصيلة عقود من التضحيات والاقتطاعات من رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص.
لكن حين تتحول هذه المؤسسة إلى “مستودع ترحيل الأزمات”، فهنا تبدأ الكارثة.
لقد لوّحتُ، قبل أكثر من عامين،بخطورة المساس بأموال الضمان، حين بدأت بعض الدوائر والهيئات والمؤسسات ترحل أزماتها المالية وتقصيرها الإداري إلى ظهر صندوق الضمان الاجتماعي، كما لو كان كياناً بلا أصحاب، أو خزينةً بلا حدود. وكنتُ قد ذكرت حينها، وبكل وضوح، أن هذا النهج لا يمكن اعتباره سوى مغامرة غير محسوبة،ستكون عواقبها وخيمة على المدى القريب ومن الذي تحمّل عبء هذه القرارات؟ إنه الضمان الاجتماعي.
لقد أصبحت مؤسسة الضمان أشبه بذلك الأخ الذي يجمع قوت إخوته ويوفر لهم سبل العيش، بينما يتكئ بعضهم على ماله، ويعبث آخرون بثروته، كما في المثل الشعبي الذي كانت عمّتي تردده: (ناس بتوفّر… وناس بتعفّر.)
والمؤلم أن هذا النموذج لم يعد حالة فردية. فقد بدأت مؤسسات أخرى، بعضها حكومية وبعضها شبه حكومية، بنهج الطريق نفسه: التهرب من معالجة مكامن الخلل لديها، وتوريث المشكلة لصندوق الضمان، متذرعة بالعجز أو الانكماش المالي، بينما الواقع يشي بسوء إدارة، وتخمة إنفاق، وقرارات مرتجلة لا تليق بحجم المسؤولية الوطنية.
ما لا يدركه البعض،او يتجاهله هو أن صندوق الضمان ليس بئرًا بلا قرار،ولا ، دُرجًا مفتوحاً للتمويل،
بل هو ملك للمواطن، وهو نتيجة تضحيات جيل بأكمله. والاقتراب من أمواله أو تحويله إلى (مكب نفايات مالية) سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى زعزعة ثقة الأردنيين بمؤسساتهم، وهو ما لا نحتمله في زمن يطالب فيه المواطن بأدنى درجات الشفافية والعدالة والكرامة.
على صانع القرار أن يدرك جيداً أن أموال الضمان الاجتماعي خطٌ أحمر، وليس ورقة ضمن أوراق التسكين أو التسويات.فالعبث فيها لا يهدد موازنة مؤسسة، بل مصير وطن بكامله.