غزة تُحتضر جوعًا .. ولا قلوب تشعر
عهد عباسي
26-07-2025 02:28 PM
في غزة، لم يعد الحديث عن القصف والدمار وحده. فهناك سلاح آخر أكثر بطئًا وأشد قسوةً يُستخدم الآن: الجوع. الجوع الذي يتسلل بصمت إلى الأجساد، فيُنهكها ويُطفئ الحياة فيها دون ضجيج. لا حليب للأطفال، لا دواء للمرضى، ولا طعام يُقيم أودَ الأمهات اللواتي يُخفين دموعهن عن عيون صغارهن كي لا يسقط البيت كله بانهيار النفوس.
هذه ليست استعارة. هذا واقعٌ دامٍ يُراكم الموت على الأرصفة وفي الزوايا المظلمة، بينما العالم يكتفي بالتفرج، والعواصم تصدر بيانات "قلق" لا تُشبع جائعًا ولا تنقذ طفلًا.
مشاهد الجوع... صرخة بلا صدى
لا يحتاج المشهد في غزة إلى الكثير من الوصف: أفرانٌ مغلقة، أسواقٌ خاوية إلا من الغبار، موائدٌ فارغة، وأجسادٌ أنهكها الانتظار. عيونٌ غائرة وصوت خافت يسأل: "هل من خبز؟". الناس هناك لا تبحث عن حياة كريمة، بل عن لقمة تسند يومًا آخر في جحيم مفتوح.
وفي بيان رسمي صدر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP)، أكّد المتحدث باسم البرنامج أن "نحو 95% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي"، وأن الأطفال يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد، إن لم تُفتح المعابر بشكل فوري لإدخال المساعدات. كما حذّر البرنامج من "كارثة وشيكة تُهدد جيلًا كاملًا بالهلاك".
تجويع مُمنهج... بقرار إنساني ساقط
إن ما يجري في غزة ليس نتيجة زلزال أو إعصار، بل قرار سياسيّ متعمد يُمارَس بدمٍ بارد. المساعدات تُمنع أو تُماطَل، وتُستخدم كورقة تفاوض في صفقات لا شأن لها بحياة الجوعى. إنّه تجويع مُمنهج لملايين البشر، جريمة موثقة لا تحتاج إلى مزيد من الأدلة.
أين العالم من كل هذا؟ أين تلك القيم التي يُقال إن البشرية تتفق عليها؟ أين الضمير الإنساني، والمبادئ التي تُدرّس في المؤتمرات الحقوقية؟
الصمت شراكة في الجريمة
الجريمة لم تعد في الحصار فقط، بل في الصمت العالمي، في التبرير، وفي التغاضي عن معاناة شعب يُباد جوعًا. لا أحد يُعفى من المسؤولية: من يفرض الحصار، ومن يصمت عليه، ومن يراقب بلا حراك.
لمن بقي في قلبه ذرة إنسانية: لا تقولوا "لم نكن نعلم". العالم يعرف، ويرى، ويسمع. فإن لم يكن بمقدوره أن يوقف الجوع، فلا أقل من أن يعترف بأنه ترك غزة تموت، بلا طعام، ولا دواء، ولا حتى شعور.