قبل 35 سنة تقريباً، أصبتُ بالرَّمد الرّبيعي. كانت معاناتي تكمن في عدم قدرتي على فتح عينيَّ بشكل كامل، خصوصاً عند الاستيقاظ من النوم، مع انهمار الدموع بشكل مستمر وكبير، ويستمر الأمر لساعات أحياناً حتى تعود العينان إلى طبيعتهما.
استمرّت هذه المعاناة لسنوات، ولم يترك والدي وسيلة علاج أو نصيحة من طبيب إلا وأخذني إليها. ولم تدعُ والدتي نصيحة عابرة من الجارات أو صويحبات المسجد إلا وجرّبتها معي، بدءاً من النفخ على عينيَّ عبر قطعة قماش بيضاء ناعمة مع تلاوة قصار السور، مروراً بوضع نصف حبة بطاطا على كل عين، واستخدام أكياس “ليبتون” المستعملة كضمادات، وصولاً إلى قطرات من حليب أُمٍّ مُرضع في أشهرها الأولى، وكدتُ أفقد بصري عندما نصحت إحدى الجارات أمي بقلب الجفن لكل عين ومسحها بلبن التين، كانت من أصعب التجارب وأكثرها ألماً.
ومن طرائف رحلة الرَّمد أنّ بياض عينيَّ كان يتحول إلى اللون الأحمر القاني، مما يجعل شكلي مخيفاً. وذات يوم، كنتُ في إحدى حافلات النقل العام، وكانت أمامي سيدة تحمل طفلها، وما إن وقع بصره على عينيَّ حتى بدأ بالصراخ بشكل هستيري، وكل محاولاتها لتهدئته باءت بالفشل. ازداد غضبها، وهي لا تعرف سبب صراخه، عندها، وخوفاً على سلامتي، اضطرت إلى النزول في أول محطة قبل أن أصل إلى وجهتي!
ومن الطرائف الأخرى، أثناء فحص النظر لدى طبيب العيون، حين كان يسألني عن اتجاه فتحات الدوائر، كان والدي يجلس بجانبي يهمس لي بالإجابة الصحيحة خوفاً من أن “أرسب” في اختبار النظر!
ولا أنسى الموقف الطريف مع أمي، عندما أرسلت إلى إحدى الجارات لتطلب شيئاً من حليبها لاستخدامه كعلاج، إذ جعلتها الجارة تقسم بأغلظ الأيمان أنني سأستخدمه للتقطير في العين فقط، لا للشرب، خشية أن أصبح “أخاً لأولادها بالرضاعة” فيَحرُم عليَّ الزواج بإحدى بناتها.
تذكرت واقعة الرمد وأنا أسمع وأشاهد الوصفات الطبية والنصائح التي تُقدَّم للناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أشخاص ليسوا أهلًا لذلك، وخصوصاً تلك التي تستهدف النساء، الأكثر تأثراً والأسهل جذباً، كالقضاء على الكَلَف، والنمش، وحب الشباب، وتوسيع العينين، والهالات السوداء، وتفتيح البشرة، والحمل بذكر.
يبدو أن جارات والدتي أصبحن اليوم يملكن حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، واختصرن بوردات العالم في الطب والاختصاص وسنوات الدراسة والبحث بلبن التين، وشرائح البطاطا وشاي الغزالين.