facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قيادة الجامعات بين وضوح البصيرة وصناعة الغد


أ.د وفاء عوني الخضراء
09-08-2025 02:57 PM

السؤال الأهم الذي يطرق جدران المرحلة: من هم القادة الذين تحتاجهم الجامعات اليوم لضمان رؤيتها المستقبلية واستدامة تأثيرها؟ وهل يمتلك قادة التعليم العالي القدرة والكفاءة لمواكبة مرحلة انفتاح المعلومة وتحوّل أنماط المعرفة عالميًا؟ وكيف يمكن للجامعات أن تضمن دورها وملاءمتها في ظل المتغيرات المتسارعة، إذا بقيت تُعيد إنتاج أنماط العمل السابقة، بينما العالم يعيد صياغة مستقبله بالذكاء "الإصطناعي"، وبخطط إستباقية، وبأساليب تفكير مبتكرة؟

نحن أمام إنعطافة حاسمة في تاريخ التعليم العالي في العالم؛ المعلومة لم تعد سلعة نادرة، والسرديات تجاوزت وتحررت من عقل الاحتكار، والأصوات تتعدد وتتصارع بلا سقف، وفي هذا الواقع فإن القائد الجامعي الحقيقي ليس موظفًا بدرجة مدير، بل هو مهندس استراتيجية التفكير الاستباقي، وصانع رؤية، وحارس للقيم في زمن تغيّر فيه معنى المعرفة ودورها.

القائد الذي يحمل اليقين ليرى أبعد من التحديات، ويقرأ في كل أزمة فرصة، وفي كل خطوة نحو المعرفة مستقبلًا أوسع ويبتكر برؤية وخيال واسع، وينجز بكفاءة عالية وبخبرة إدارية ومالية تحوّل الرؤى إلى واقع ملموس.

القائد الملهم يحرّر طاقات البشر حتى أقصاها، ويصنع من بيئة العمل مسرحًا للإبداع والثقة، ويجمع بين عين تلتقط أدق التفاصيل وبصيرة ترى الأفق البعيد، فيحوّل كل قرار يومي إلى لبنة في إطار الرؤية الاستراتيجية للمؤسسة.

في السابق، كانت الجامعات تُقاس بما تملكه من مكتبات، أو بمكانتها في التصنيفات، أو بعدد الخريجين، أما اليوم، فإن قوة الجامعة تُقاس بقدرتها على إنتاج المعرفة الموثوقة، وتوظيف البحث العلمي بكفاءة، وتصميم البرامج الأكاديمية التي تتنبأ باحتياجات المستقبل قبل أن يطرق الباب.

لذلك فإن القائد الفعّال هو من يربط بين البحث التطبيقي والمجتمعات، ويحوّل البيانات إلى قرارات، والإنتاج المعرفي الى رؤى والرؤى إلى سياسات، والمختبرات إلى منصات لحل مشكلات الواقع.

الذكاء الاصطناعي كسر احتكار إنتاج وتفسير المحتوى، وفرض على الجامعات أن تتبنى آليات دقيقة لتقييم جودة الأبحاث، وتوجيه التمويل نحو المشاريع ذات الأثر الحقيقي، وضمان أن النتائج تصل إلى المجتمع لا أن تبقى حبيسة الأدراج.

ولكي تتحقق هذه الرؤية، تحتاج الجامعات إلى مراكز أبحاث وطنية كبرى (Grand Labs) تُخصص لمواجهة التحديات الاستراتيجية للدولة، مثل الأمن الحياتي والغذائي والمائي، والصحة العامة، والطاقة المستدامة. هذه المراكز يجب أن تضم مختبرات متقدمة في الحوسبة الكمية (Quantum Computing)، وعلم الجينوم (Genome Research)، والحوسبة البيولوجية، وأنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وحتى الحوسبة القائمة على الخلايا العصبية (Neuromorphic Computing)، لتكون منصات للبحث التطبيقي الرائد في مواجهة المشكلات الكبرى.
الجامعات التي تنشئ هذه المختبرات وتربطها بالاقتصاد الوطني، ستصبح مصانع حلول وليست فقط مصانع شهادات.

القيادة الجامعية ونجاحها ليست بالمعنى التقني فقط، إنها تتسع لما هو أكبر من ذلك وأكثر عمقا، فالقائد اليوم يحتاج إلى ذكاء عاطفي واجتماعي يمكنه من فهم الناس، وبناء الثقة، وحشد الطاقات حول أهداف مشتركة للالتزام بالقيم المؤسسية وليس على أساس المصالح الضيقة، وقد أثبتت الوقائع أنه لا يمكن تحقيق إصلاح أكاديمي حقيقي عبر أوامر إدارية أو تحالفات ضيقة؛ بل عبر إشراك الأكاديمين والطلبة والباحثين في صياغة المستقبل، وتحويلهم إلى شركاء لا مجرد متلقين.

القائد الذي يتقن التنبؤ ولا يكتفي بمتابعة الاتجاهات الحالية، بل يرسم خرائط للمستقبل، ويُعدّ مؤسسته لمواجهة السيناريوهات المختلفة، سواء كانت فرصًا أو تهديدات. وهذا يتطلب شجاعة لاتخاذ قرارات غير مألوفة بحكمة وكفاءة واضحة.

القيادة بالقيم هي الضمانة الوحيدة ضد انزلاق الجامعة إلى خدمة أجندات ضيقة، فالقائد الذي يجعل من النزاهة والشفافية والمساءلة ركائز لعمله، سيبني مؤسسة قادرة على الصمود والتأثير، أما الذي ينغمس في "سياسات المكاتب" والمجاملات والاسترضاءات المغلقة، سيفقد بوصلة المؤسسة، مهما بلغت إنجازاته الشكلية.

إن الجامعة اليوم مطالبة بأن تكون جسرًا بين المعرفة والعمل، وبين البحث العلمي وحاجات الناس، وأن تستخدم الذكاء الاصطناعي ليس لتلميع صورتها في التقارير، بل لتوسيع الأفق الفكري لمجتمعها الأكاديمي، وإيصال الحقيقة إلى الناس بلغة مفهومة، وفي الوقت المناسب.

ليس المقصود طرح تصور غيرواقعي لمنصب القيادة الجامعية، بل وصف ما تقتضيه المرحلة الراهنة ومتطلباتها الفعلية. عبر تاريخنا في التعليم العالي، شهدنا ونشهد نماذج مضيئة لقيادات جامعية أحدثت وتُحدث نهضة حقيقية بفضل رؤيتها وبصيرتها، مما يجعل هذا النهج ليس غريبًا عن الأردن وتعليمه العالي، بل امتدادًا لإرث من القيادة الواعية والكفوءة والمسؤولة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن بعض اختيارات القيادة في مراحل سابقة قد تسببت في تعثر بعض الجامعات، وهو ما يجعلنا اليوم أكثر حرصًا على عدم الخطأ في قرارات اختيار القيادات، خاصة في ظل تحديات لا تواجه الأردن وحده، بل العالم بأسره.

المستقبل لا ينتظر المترددين، الجامعات التي ستبقى في صدارة التأثير هي تلك التي يقودها أشخاص يجمعون بين البصيرة الاستراتيجية، والجرأة الأخلاقية، والقدرة على الابتكار. في زمن الذكاء "الاصطناعي" وثوراته المتعاقبة، القيادة الأكاديمية ليست ترفاً إداريًا؛ إنها عقد بين الجامعة والمجتمع، يلتزم فيه القائد بأن يكون أمينًا على الحقيقة، جريئًا في التجديد، ومخلصًا لقيم المعرفة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :