أيها المارق، إيّاك أن تخطئ الطريق .. إنّه الأردن
د. عبدالهادي القعايدة
17-08-2025 09:33 AM
على هذه الأرض، التي تشبه قلبًا لم يتوقف يومًا عن النزيف، بنى الأردنيون وطنهم بالوفاء والمنعة.
لم يسألوا يومًا: لمن تكون الأرض؟ لأنّها أرض الآباء والأجداد. لم يغتصبوها، ولم يشرّدوا أهلها، ولم يسقطوا عليها بوعدٍ مشؤوم، ولم يشتروا لها خريطة من أسواق الخساسة والزيف.
على هذه الأرض، حكاية أبطالٍ كانوا يذهبون إلى الموت دفاعًا عن الجار كلما ضاق به الحال أو حلّ عليه عدوّ ظالم أو مغتصب طارئ. كانوا يرحلون حبًّا وعروبةً وكرامة، كما يذود الحرّ عن عرضه وبيته… بل وأكثر.
من هذا الأرض قاد الحسين الكرامة كأبٍ يلمّ شتات الروح العربية في يوم واحد، ليجعل من البنادق صلاةً جماعية تُسمع في كل بيت عربي. ومعه رفاق الخندق والوفاء، وهذا مشهور حديثه يكتب بمدافعه ودفاعه فقراتٍ من كتاب المجد، كأنما يعلّم الأعداء الأبجدية من جديد. وكان كايد عبيدات، أول شهداء الثورة على المحتل، يخطّ على جبينه أن الحرية تبدأ من هنا… من نقطة الدم الأولى.
ومن هذه الأرض ذهب حابس المجالي بروح وبندقية حيث اللطرون وباب الواد ورافقه أبطال ناموا عند أسوار القدس وسقوا بأرواحهم زيتون نابلس ، فيما دم عبدالله الأول يضيء الطريق إليهم كفصلٍ أول في حكاية عشق لا تكتمل إلا بالشهادة والفخر.
ومن هذه الأرض، حيث يُرسم التراب بالدموع، جاء نبيه سحيمات يرسم بصموده في فلسطين جغرافيا لا تشبه خرائطهم الصفراء؛ جغرافيا مرسومة بنبض قلبه، وبحبّه الأرض فداءً ونضالاً. وهذا حمود أبو قاعود، بين الخنادق والرصاص والبطولة، يسير إلى العدو بابتسامة النصر وبسالة ووعد موعود، يحوّل اليأس إلى أناشيد صمود، تراه يوزع إصرار النصر على رفاقه الجنود؛ كمن يداهم الموت بطولةً لتبقى فلسطين حرة غير مغتصبة… ويسلم الأردن.
ومن هذه الأرض، وُلد الجيش العربي الأردني… الذي لم يكن يومًا مجرد جيش؛ بل كان ظلّ الأردن في المدى. أبناؤه يذهبون إلى الموت كما يذهبون إلى الحياة. لم يكن النصر عندهم حدثًا عابرًا أو صنعة صدفة، بل حالة وجود وطُهر حدود. في الكرامة، سطّروا فعلاً ونصرًا، وكسروا أسطورة وهم "الجيش الذي لا يُقهر" تحت جنزيره وبسطاره. وأثبتوا أن الهزيمة ليست قدر العرب، وأن الكرامة لا تُشترى ولا تُنتزع إلا بدماء الرجال.
أحبّ الأردنيون جيشهم لأنه يشبههم في الزاد والشرف والفعل والبطولة. وأحبّوا ملكهم لأنه يقف بينهم لا فوقهم، يحمل سيف أبيه وجدّه معهم لاعليهم، ولا يعرف غير درب الحرب والذود إذا ما صار الأمر واستدعى الوطن.
أحبّ الأردنيون وطنهم لأنهم بنوه مع الهاشميين يدًا بيد؛ فما استعانوا بظالم، ولا سمحوا لعميل. فصار لهم البيت الذي، إن انهدم، لم يعد هناك بيت آخر يسعهم.
هذه الأرض ولادّة بشجعان قلوبهم من نور وباسهم من نار أنجبت وصفي الأردن، وهزاع البطل، والفدائي معاذ الدماني وراشد المقدام.
الأردن يؤمن أنه حين يقترب الخطر من أرضه، لا يعود الدم مسألة حياة أو موت، بل يصبح العشق نفسه. يصبح الموت فداءً للبيت، للملك، للجيش، للنظام. يصبح الموت طريقةً أخرى للعيش.
وعليه… فلينتبه الجميع: إنّه الأردن.