اعتراف بريطانيا وفرنسا تحديدا،والعديد من الدول الاوروبية والعالمية بالدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من حزيران عام 1967،يعتبر حدثا تاريخيا ومفصليا في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي،ويشكل علامة فارقة ومنعطفا استراتيججيا ،في المواقف الاوروبية والدولية من الصراع والكيان الغاصب وحق الشعب الفلسطيني في التحرير والاستقلال وتقرير المصير.
هذا الاعتراف الهام جدا ،يعتبر اهم واعظم انجاز لصالح الشعب الفلسطيني على طريق الاستقلال الكامل والسيادة الفلسطينية الكاملة على الارض الفلسطينية، والحرية المفقودة للشعب الفلسطيني.
اهمية الاعتراف البريطاني، تأتي كون بريطانيا هي التي منحت الصهاينة وطنا قوميا في فلسطين دون وجه حق ،واهدت ارضا فلسطينية خالصة لليهود بالقوة زورا وبهتانا ،واليوم تعلن اعترافها بدولة فلسطين ،رغم ان هذا الاعتراف جاء متأخرا، فانه اعتراف بالخطأ والجريمة البريطانية بحق الشعب الفلسطيني ،لكن ان يأتي متأخرا خيرا من ان لا يأتي ابدا.
اما اهمية الاعتراف الفرنسي ،فانه يأتي من دولة منحت اسرائيل القوة النووية ،عندما اهدتها مفاعل ديمونا عام 1956،الذي انتج عشرات القنابل والرؤوس الحربية النووية ،ليشكل رادعا استراتيجيا ضد العرب والشرق الاوسط والعالم.
لا يجوز التقليل ابدا من اهمية هذا الاعتراف،الذي يشكل اجماعا دوليا على دحض ورفض الرواية الاسرائيلية بأن فلسطين كلها وطنا توراتيا للصهاينة .
ندرك ونعلم جيدا مثل كل من لديه الحد الادنى من الوعي السياسي،ان حل الدولتين لصالح اسرائيل،وليس لصالح الفلسطينيين، الذين يسلب منهم اربعة اخماس مساحة وطنهم ،ويؤكد اعتراف العالم بدولة صهيونية على ارض فلسطين اغتصابا واحتلالا وزورا ،لكن الشعب الفلسطيني مغلوب على امره ،وما يحدث في قطاع غزة ليس ببعيد.
الان الكرة في الملعب العربي والفلسطيني،فهذا الاعتراف الهام والواسع بالدولة الفلسطينية ،يجب تعزيزه واستثماره والبناء عليه ،حتى يكون له ما بعده،حتى لا اعترافا على شكل رفع العتب ومن ثم ادارة الظهر، بل يجب ان يتبعه اجراءات عملية على الارض ،اولا حماية الدولة المعترف بها من جرائم ومذابح ومجازر وتغول الاحتلال ،وتوسيع دائرة الاعتراف بدولة فلسطين،ثم القيام بفرض عقوبات حقيقية مؤثرة على الكيان وخاصة الاقتصادية،لان الكيان يعتمد في اقتصاده على الدول الاوروبية ،واذا توقف التبادل التجاري بين اوروبا والكيان فانه سينهار خلال اسابيع،وكذلك تفعيل نظام الجميعة العامة للامم المتحدة الخاص يالعقوبات على الدول المتمردة على النظام والقانون الدوليين.
ان هذا الاعتراف جاء اولا،اعترافا بالحق الفلسطيني ،وثانيا ردا على الارهاب، واعمال القتل والابادة التي تقوم بها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلين،وعلى المواقف الاسرائيلية الرافضة لجميع الحلول المطروحة عربيا ودليا ،وخاصة مبدأ حل الدولتين.
لقد خلق الاعتراف البريطاني والفرنسي تحديدا بدولة فلسطين،والاوروبي والعالمي عموما ،حالة من الجنون الحقيقي في القيادات السياسية والعسكرية والامنية في الكيان ،حتى فقدوا جميعا صوابهم ،وغاصوا في حالة من الارباك والتخبط وفقدان التركيز ،وعدم القدرة على التصرف واتخاذ القرارات الوازنة والمناسبة.
ردة الفعل الاسرائيلية جاءت عنيفة وفوضوية وجنونية ،وتصريحات المسؤولين الاسرائيليين، تركز على رفض الاعتراف كونه يشكل تهديدا وجوديا للكيان ،ولم يذكر احد منهم بأن الدولة الفلسطينية ارضا اسرائيلية ،بينما يوجهون للدول المعترفة بأنها معادية للسامية،اي بمعنى ان رفض الكيان للدولة الفلسطينية ،يأتي لاسباب امنية ووجودية ومعاداة للسامية.
هذا الاعتراف جزء من خطة شاملة لانهاء الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ،ولا بد من استكمال هذه الخطة الشاملة،لانهاء الصراع في المنطقة، وهذا يتطلب جهودا استثنائية عربية وفلسطينية ودولية .
اعتراف بريطانيا وفرنسا وكندا واستراليا، ودول اوروبية اخرى بدولة فلسطين،يعتبر اجرأ واشجع قرار تتخذه هذه الدول لتغرد خارج السرب الامريكي،وترفض الضغوطات الامريكية ،وهذا يعني ان دولا اوروبية وعالمية ،سوف تتصدر المشهد العالمي في اطار محور عالمي جديد بعيدا عن امريكا.
الكيان يواجه اليوم ازمات سياسية وامنية واقتصادية حقيقية، تهدد وجوده وتماسكه ونسيجه الاجتماعي،واصبح في عزلة كاملة ومنبوذا على الصعيد الدولي ،ومكروها جدا على المستوى الاوروبي والامريكي والدولي رسميا وشعبيا.
وقد قطع هذا الاعتراف الطريق على اسرائيل،التي تعمل بنشاط غير مسبوق وسباق مع الزمن على تصفية القضية الفلسطينية ،ورسم خارطة فلسطين رسميا على خريطة العالم والشرق الاوسط ،ونسف قانونية وشرعية جميع الاجراءات الاسرائيلية على الاراضي الفلسطينية، وخاصة الاستيطان واغتصاب وضم الاراضي،وافقدها شرعيتها وقانونيتها .
ربما تقوم حكومة الاحتلال باعمال جنونية في فلسطين المحتلة،لكنها لن تكون قانونية ولا شرعية ،فهي باطلة قبل ان تبدأ،ولن تكون لها اية قيمة ،بل سوف تزيد من عزلتها وستطلق النار على نفسها.
بهذا الاعتراف، اصبح حل الدولتين خيارا عالميا باجماع اهم دول العالم.