غزة في حالة "لا سِلم ولا حرب"
أحمد البواعنة
01-11-2025 08:07 PM
في ظل التطورات المتسارعة في قطاع غزة، ومع اتساع نطاق التوتر واهتزاز الاتفاقيات المؤقتة، يبدو أن المشهد يدخل مرحلة حساسة يمكن وصفها بأنها "حالة اللا سلم واللا حرب". هذا الوضع يعكس حالة من الغموض الاستراتيجي والتذبذب في تطبيق الاتفاقات الميدانية، ويكشف عن هشاشة التفاهمات السياسية والإنسانية التي رعتها الأطراف الدولية خلال الفترة الماضية.
التعامل الإسرائيلي المتغير، وخاصة من قبل الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، يوحي بمحاولات لإعادة ترتيب المشهد الميداني والسياسي، في ظل ضغوط داخلية متصاعدة وصعوبات في تحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية. ويبدو أن استمرار التوتر يسعى لتغيير موازين القوى على الأرض، في الوقت الذي تتزايد فيه المؤشرات على اتساع رقعة التصعيد في الضفة الغربية أيضاً.
خلال الأيام الأخيرة التي سبقت التصعيد الجديد، سُجلت خروقات متكررة لاتفاقات التهدئة المؤقتة، أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا المدنيين وعودة القصف إلى مناطق مكتظة بالسكان، بينها محيط مستشفى الشفاء، في وقت ما تزال فيه المعابر مغلقة أمام المساعدات الإنسانية، وتتعطل عمليات إدخال المعدات اللازمة لرفع الأنقاض وإنقاذ المدنيين. استمرار هذا الوضع الإنساني يشكل تحدياً خطيراً أمام الجهود الدولية الرامية إلى تثبيت وقف إطلاق النار.
إن الالتزام الحقيقي بوقف الحرب يتطلب من المجتمع الدولي أن يتعامل بجدية مع الانتهاكات المتكررة للاتفاقيات، وأن يفعّل أدواته الدبلوماسية والقانونية للضغط نحو وقف شامل ومستدام لإطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومنتظم. كما أن أي حديث عن "سلام مستقبلي" يبقى بلا معنى إذا استمر تعطيل المعابر وتقييد حركة الإغاثة.
في المقابل، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي أزمة داخلية مركبة نتيجة حالة الانقسام السياسي الحاد، والضغوط من مختلف التيارات داخل الحكومة والمعارضة، وهو ما قد ينعكس على قراراته المتعلقة بالملف الفلسطيني. هذه التحديات الداخلية، إلى جانب فشل تحقيق الأهداف المعلنة في غزة، تخلق بيئة غير مستقرة تدفع باتجاه استمرار حالة "اللا سلم واللا حرب".
وفي الضفة الغربية، يتواصل التوتر من خلال التصعيد الميداني والاعتقالات اليومية، إضافة إلى نشاطات استيطانية متزايدة. هذه التطورات تُعدّ مؤشراً على توسع دائرة الأزمة وتراجع فرص التهدئة الشاملة.
ختاماً، فإن استمرار المنطقة في هذه الحالة الرمادية لا يخدم الأمن الإقليمي ولا الاستقرار الدولي. المطلوب اليوم مقاربة جديدة تتجاوز إدارة الأزمات إلى معالجتها جذرياً، عبر موقف دولي متوازن يضمن وقف الأعمال العسكرية، واستئناف مسار سياسي حقيقي يؤدي إلى تسوية عادلة وشاملة تضمن حقوق جميع الأطراف وتؤسس لاستقرار دائم في المنطقة.