facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التطور المجتزأ


فيصل سلايطة
03-11-2025 10:01 PM

في الشرق الأوسط، لا يولد التطور من رحم المجتمع، بل من شقوقه الصغيرة. إنه لا يأتي كفيضٍ شامل يعمّ الأرض، بل كـ ينابيع متفرقة تنبع من أماكن محددة، ثم تجفّ قبل أن تلتقي. نحن لا نعيش نهضة عامة، بل صحوات فردية، متناثرة، متباعدة، تلمع كنجومٍ في سماءٍ معتمة لا يجمعها فجرٌ واحد.

في مدنٍ بعينها، وفي أحياءٍ محددة، وحتى داخل بيوتٍ بعينها، يظهر وعيٌ جديد، يتنفس الحرية، يقرأ، يتساءل، ويشكّ في المسلّمات. هناك شاب يكتشف قيمة التفكير النقدي بعد صدمةٍ ما، وامرأة تتحرر من قيود الخوف بعد رحلةٍ طويلة مع الألم، ومجتمع صغير ينهض بفعل ثقافة جديدة تسللت من نافذة العالم الرقمي.

لكن في المقابل، يبقى المحيط راكدًا، كأن التطور لا يجد ما يرفده ولا من يصدّقه.

نحن شعوب تتطور بوحداتٍ صغيرة، لا كبنيةٍ متماسكة. في الغرب، النهضة كانت مشروع أمة، بينما في الشرق هي مغامرة أفراد. هناك، كان السؤال الفلسفي يصبح مادة تعليم، والفكرة تتحول إلى نظام. أما هنا، فالسؤال يظلّ سرًا بين صاحبه ونفسه، والفكرة تُقابل بالسخرية أو الاتهام أو التكفير.

من يتطور في مجتمعاتنا، يدفع الثمن مضاعفًا. فحين يخطو خطوةً نحو الوعي، يشعر كأنه يغادر القبيلة. يُرجم بالانتقاد، يُتهم بالغرابة، ويُطلب منه العودة إلى "الصف". نحن نُكافئ الركود بالطمأنينة، ونعاقب الحركة بالريبة. لذلك، كل من يستيقظ هنا، يستيقظ وحده.

إنه تطور انتقائي، لا ينساب في نسيج المجتمع، بل يتسلل في زواياه. تطورٌ يحدث بفعل الصدمة لا بفعل الخطة، وبفعل الوعي الفردي لا التغيير الجماعي. ومع ذلك، فهو موجود، يُحدث ضوءًا خافتًا في العتمة.

ربما لا نعيش نهضة كبرى، لكننا نعيش تشققات الوعي. وربما لا يتحرك المجتمع كله، لكن هناك عقول تتحرك، وهناك مدن تجرّب أن تفكر، وهناك أصوات تخرج من الظلال.

إنه التطور المجتزأ...

لكن من هذه الأجزاء الصغيرة، قد تُولد ذات يوم الكتلة الحرجة التي تُشعل التغيير الحقيقي.

فكل ثورة كبرى كانت في البدء همسًا في رأس شخصٍ واحد.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :