تحديات الإصلاح الحزبي الأردني
د. نور خالد مشاقبة
14-11-2025 10:42 PM
في خضم التسارع المستمر للأحداث السياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والعالمي، يجد الأردن نفسه أمام منعطف داخلي حاسم. لم يعد الاستقرار الوطني أمرًا مفروغًا منه، بل أصبح رهينًا بإصلاح داخلي عميق وشامل، يعيد بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ويؤسس لحياة سياسية فاعلة قادرة على إنتاج حكومات برلمانية حزبية تحمل برامج واقعية لا شعارات موسمية.
جوهر هذا الإصلاح يتمثل في تمكين أبناء الطبقة الوسطى، بوصفهم العمود الفقري للمجتمع، ليكونوا جزءًا أصيلًا من المشهد السياسي. فالمشهد السياسي يجب أن يعكس حياة المواطن وواقعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ليصبح الإصلاح كرشاقة ذرات التراب البكر التي تبشر بالحياة مع أولى قطرات المطر. ودمج الشباب في قلب الحياة السياسية ليس مجرد شعار، بل ضرورة لمستقبل مستقر وديمقراطي.
الإصلاح الحزبي في الأردن، الذي أطلقه جلالة الملك عبدالله الثاني، ليس مجرد تحديث تشريعي أو تعديل على قوانين الانتخابات، بل هو مشروع شامل يهدف إلى إعادة الثقة بين المواطن والدولة، وتعزيز المشاركة الشعبية في صناعة القرار. كما يفتح المجال أمام دماء جديدة، خصوصًا الشباب، ليكونوا جزءًا أصيلًا من الحياة السياسية الوطنية، ويضفوا على المشهد السياسي لونًا يعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين، كونهم الشريحة الأكثر تأثرًا بالإصلاح والتغيير.
إلا أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي يفرض قيودًا صارمة. معظم الشباب يقضون سنوات حياتهم في تأمين لقمة العيش اليومية وإدارة حياة أسرية مستقرة، ما يحول دون توفر الوقت والطاقة للانخراط في القضايا السياسية. وفي الوقت نفسه، تترك السياسة لأولئك الذين نشأوا ضمن شبكات النفوذ والطبقية، حيث تتركز السلطة والموارد في أيدي فئة محدودة قادرة على توجيه المشهد السياسي وفق مصالحها، بعيدًا عن التمثيل الحقيقي للشريحة الكبرى من المجتمع.
الفجوة الطبقية ليست مجرد اختلاف اجتماعي أو اقتصادي، بل تشكل حائطًا صلبًا أمام الدماء الجديدة والطموح الشبابي. فالشباب رغم حيويتهم وقدرتهم على التغيير، لا يمتلكون الوقت أو الموارد الكافية للوصول إلى مراكز القرار، بينما يستفيد السياسيون المتمرسون من خبراتهم وعلاقاتهم للحفاظ على مواقعهم ونفوذهم. هذا الواقع يجعل من الإصلاح الحزبي تحديًا مزدوجًا: الحاجة إلى دماء جديدة تتصادم مع الانشغال اليومي للشباب بالسعي نحو الاستقرار المالي والأسري.
هنا يظهر الدور الحاسم للسياسيين الحاليين في دعم الشباب وتمكينهم من المشاركة الفعلية في السياسة. فالقيادات المخضرمة يمكنها أن تكون جسرًا يربط الشباب بالمشهد السياسي الحقيقي، عبر توجيههم، وإشراكهم في لجان ومبادرات سياسية، ومنحهم فرصًا لصياغة القرارات وليس مجرد تنفيذها. دعم الشباب ليس رفاهية، بل مؤشر على الولاء للوطن والانتماء لجلالة الملك وولي العهد، ويعدّ وسيلة لبناء خليفة سياسي قادر على استدامة مشروع الإصلاح. بتمكين الشباب، تتحول طاقاتهم من البحث عن لقمة العيش إلى قوة دافعة للتغيير الوطني، ما يجعل الإصلاح الحزبي عملية واقعية وقادرة على استيعاب الدماء الجديدة وضمان استمرار الحراك السياسي الأردني بشكل حقيقي ومستدام.
السؤال المحوري يبقى: هل السياسيون مستعدون لتمرير التربة السياسية الخصبة للشباب، وتوجيههم ليكونوا قادرين على قيادة المستقبل؟ فدعم الشباب اختبار حقيقي للولاء للوطن، ومؤشر صادق على الرغبة في استمرار مشروع الإصلاح السياسي. الشباب هم ورثة الوطن القادم، وأي نجاح للإصلاح يعتمد على قدرتهم على الانخراط الفعلي ومساهمتهم في صناعة القرار ليصبحوا عناصر أساسية في بناء الديمقراطية المستدامة، وصوتًا يمثل الشريحة الكبرى من المجتمع، ويعيد التوازن بين الطبقات السياسية المختلفة ويعزز الثقة بين المواطن والدولة.
التحدي الأكبر لا يقتصر على الوقت أو الموارد، بل يشمل الصراع النفسي والاجتماعي الذي يعيشه الشباب بين طموح المشاركة السياسية وواقع البحث عن الاستقرار المالي.
كثير من الشباب يجدون أنفسهم مضطرين لتخصيص سنوات حياتهم الأولى لتأمين لقمة العيش، ما يبعدهم عن السياسة ويجعلها مجالًا يبدو بعيدًا عنهم. هذا الواقع يوضح أن الإصلاح الحزبي لا يمكن أن يتحقق دون معالجة أبعاد الفقر والعدالة الاقتصادية، التي تمنح الشباب القدرة على التفكير في دورهم الوطني دون ضغوط الحياة اليومية.
رغم كل التحديات، يظل طريق الإصلاح، مهما كان وعرًا، الخيار الوحيد نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة. فالشباب، رغم انشغالهم بالاستقرار المالي، يبحثون عن فرص حقيقية للمشاركة والتأثير وصناعة القرار. وإذا أتيحت لهم هذه الفرصة في بيئة سياسية محفزة، سيكونون القوة الدافعة لأي مشروع وطني ناجح، وركيزة مستقبل الديمقراطية في الأردن.
الإصلاح الحزبي، إذن، هو معركة وعي قبل أن يكون معركة قوانين. فالتحول السياسي المنشود لن يتحقق إلا حين يدرك الجميع أن الانخراط في العمل الحزبي مسؤولية وطنية، وأن بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة هو الأساس الذي تُبنى عليه ديمقراطية حقيقية ومستدامة، تدعم رؤية القيادة الهاشمية وتحقق طموح الشعب الأردني في المشاركة السياسية الفعلية.
في النهاية، مشاركة الشباب في السياسة ليست رفاهية، بل اختبار حقيقي لمستقبل الأردن، ولقدرة القيادة والمجتمع على بناء وطن مستقر وعادل وديمقراطي، يشعر فيه كل شاب أنه جزء من القرار، وأن صوته له أثر ملموس، ليصبح الإصلاح الحزبي مشروعًا جماعيًا يشمل الجميع ويضمن استمرار الأردن في مسار مستقر وطموح.