في حضرة المواقف الكبرى: يبقى الأردن ثابتاً والملك صامداً
د. رندة نايف ابوحمور
28-11-2025 11:35 AM
في عالم يمور بالأزمات والتحولات، تتكشف المواقف السياسية العميقة لا على مستوى الدول فحسب، بل على مستوى القيادة والوعي والقدرة على الثبات وسط عواصف الإقليم. إن ما يشهده العالم من صراعات جيوسياسية، وتغير في موازين القوى، وتنامي الضغوط الاقتصادية، جعل الدول الصغيرة والمتوسطة تقف أمام امتحان قاس، إما أن تنكفئ، أو تتقدم بثقة رغم ضيق المساحة واتساع التحدي.
وهنا يبرز الأردن، هذا الوطن الذي لطالما علّم المنطقة معنى الثبات رغم قلة الموارد وشدة الضغوط، وعلّم العالم أن السياسة ليست حجم جغرافيا، بل حجم موقف.
وفي هذا الإقليم المضطرب، يبقى موقف الأردن ثابتاً في محيط يزدحم بالأزمات؛ من الصراع في فلسطين، إلى التشظي السوري، إلى التنافس الإقليمي والدولي. حافظ الأردن على اتزانه، وعلى بوصلته الأخلاقية والسياسية، مستنداً إلى رؤية ثابتة لا تتبدل: الدفاع عن الحق، وصون الاستقرار، وحماية كرامة الإنسان، وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. فبينما تغيَّر البعض، وكابر البعض الآخر، بقي الأردن يقول الحقيقة نفسها منذ عقود: لا دولة ولا سلام ولا استقرار بدون حل عادل للقضية الفلسطينية.
دور جلالة الملك: موقف يتقدم ولا يتراجع
لقد أثبت جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، في كل محفل دولي وإقليمي، أن القيادة ليست خطاباً ولا استعراضاً، بل فعل واصطفاف أخلاقي لا يلين.
مواقفه في الدفاع عن القدس، وصوته الجريء في المحافل الدولية، ووضوحه في رفض الظلم مهما كان مصدره، كلها جعلت الأردن الرقم الصعب في معادلة المنطقة. في زمن طغت فيه لغة المصالح على لغة المبادئ، بقي الملك عبدالله الثاني القيادة العربية الأكثر ثباتاً على المبدأ، والأكثر شجاعة في قول كلمة الحق، والأكثر حضوراً في نصرة فلسطين وأهلها.
وحين يغادر جلالته، أشعر بالفراغ قبل أن أشعر بالقلق
قد تمر على الأردن لحظات يغادر فيها جلالته بزيارة طارئة أو مباغتة، فنشعر نحن أبناء هذا الوطن بثقل اللحظة. هي ليست مجرد مغادرة رسمية، هي شعور داخلي بأن الركن الأقوى غاب عن الأرض التي نحبها. أحزن حين أعلم أن جلالته غادر الوطن بزيارة مفاجئة، لا لأنني أخشى على الوطن، فهذا وطن بُني على الصبر والقوة والتحمل، بل لأن وجوده بيننا يمنحنا ثقة لا تشبه أي ثقة، وطمأنينة لا يستطيع أحد غيره أن يبثها في قلوب الأردنيين.
لكني، ورغم هذا الحزن، أُدرك أن الملك يغادر ليحمل الأردن على كتفيه إلى العالم، ليدافع عن قضايانا، وليحمي مصالحنا، وليظل الصوت الذي لا ينكسر ولا ينحني.
وفي النهاية، في زمن تتبدل فيه المواقف كأوراق الخريف، يبقى الأردن واقفاً، راسخاً، شامخاً، بفضل قيادة تعرف متى تتقدم، ومتى تصمت، ومتى تقول كلمتها أمام العالم بأكمله. وما دام في هذا الوطن ملك يحمل القضايا العادلة في قلبه قبل ملفاته، فلن يُكتب للأردن إلا الثبات، وللقضية الفلسطينية إلا النصر.