facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بين الموقف الأميركي والقرار الأردني: أين تتجه بوصلة السياسة بعد تصنيف الإخوان؟


الشاعر أحمد طناش شطناوي
01-12-2025 10:01 AM

ثمة سؤال يخترق جوهر الفلسفة السياسية المعاصرة: هل لا تزال السيادة الوطنية -بمعناها الكلاسيكي- قادرة على الصمود في عصر يتسم بما يسمى بمجتمع المخاطر العالمي؟ وهل يمكن للدول الصغيرة أن تمارس القرار السيادي في لحظة الاستثناء، دون أن تجد نفسها محاصرة بشبكة من الضغوط الجيوسياسية التي تعيد تعريف معنى الاستقلال ذاته، وتختبر قدرة الدولة على المناورة داخل بيئة مضطربة؟

في المشهد السياسي المعاصر، لم يعُد القرار الداخلي معزولًا عن ارتجاجات السياسة الدولية؛ فالعالم باتَ شبكةً متشابكة، تتحرك فيها الحكومات تحت وقع الضغوط والتحالفات والمصالح العابرة للحدود، ومن هنا فإن إعلان الإدارة الأميركية البدء بإجراءات تصنيف جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ومصر ولبنان كجماعة إرهابية ليس حدثًا عابرًا يمكن قراءته بمعزل عن تداعياته، وإنما فصل جديد يعيد تشكيل توازنات السياسة الإقليمية ويضع الدول المتأثرة والمشتبكة جيوسياسيًا – ومنها الأردن – أمام أسئلة تتعلق بتوازن الأمن الإقليمي وإعادة تشكيل خرائط التحالفات، بما يتجاوز مجرد ردّة فعل أمنية.

لكنّ السؤال الجوهري يبقى: هل يمكن لمثل هذا القرار أن يدفع الأردن نحو تغيير بنية النظام السياسي داخليًا، وصولًا إلى حلّ مجلس النواب؟

للوهلة الأولى قد يبدو هذا السؤال مشروعًا، خصوصًا في ظل المناخ الإقليمي الذي يشهد تضييقًا متزايدًا على الجماعة المحظورة، غير أن القراءة الأقرب إلى الواقعية والمستندة إلى بنية القرار الأردني وتاريخه السياسي، تكشف أن التأثير الأميركي، مهما بلغ وزنه، لا يتحول تلقائيًا إلى زلزال دستوري داخلي، فالمؤسسات الأردنية لا تتفاعل وفق منطق الاندفاع الآني، وإنما وفق سياق تراكمي يوازن بين الأمن والاستقرار وحساسية الداخل، مع إدراك دقيق للحدود التي تسمح بها المعادلة الدستورية.

والحقيقة أن الأردن سبق أن اتّخذ خطوات نوعية ضد الجماعة قبل الإعلان الأميركي بوقت واضح، بدءًا من الحظر إلى إعادة الهيكلة القانونية ومصادرة المقرّات وتقييد النشاط، بما يعكس أن الدولة كانت تتحرك وفق استراتيجية وطنية مستقلة، لا وفق إيقاع الخارج، استنادا إلى واقع أمني فرضته الجماعة نفسها ضد وجودها، وبالتالي فإن الإعلان الأميركي لم يأتِ طارئًا على المسار الأردني، وإنما جاء مكمّلًا لمسار اتخذته عمّان مسبقًا، وهذا يرسّخ حقيقة أن القرار الأميركي لم يكن صانعًا للقرار الأردني.

وعلى هذا الأساس، يبدو أن السيناريو الأقرب للسياسة الأردنية ليس حلّ البرلمان – كما ذهب بعض المحللين – وإنما باتباع سياسة تعزيز النهج الأمني القانوني تجاه شبكات الجماعة المحظورة وأذرعها، وتوسيع أدوات الرقابة والتضييق دون المساس بالبنية السياسية الكبرى أو الدخول في هندسة دستورية راديكالية، فالحل الملكي للبرلمان لم يكن في يومٍ من الأيام أداة طارئة تُستعمل تحت ضغط بيان خارجي، وإنما هو قرار سيادي يُفَعَّل فقط عند تراكم أزمات داخلية تُعطِّل عمل الدولة أو تهدد استقرارها، وهذا الشرط غير متحقق في اللحظة الحالية حسب تقديري.

أما على مستوى الفلسفة السياسية للدولة، فيبدو أن الأردن قد يتجه نحو تكريس نموذج جديد يقوم على تحييد الأيديولوجيا المُغرقة لصالح الاستقرار، وعلى إعادة ضبط المجال العام بطريقة تمنع بروز قوى غير منضبطة أو مرتبطة بأجندات عابرة للحدود، وهذا الاتجاه ينسجم مع التحولات الدولية التي تنظر إلى التنظيمات الأيديولوجية – مهما بلغت براغماتيتها – بوصفها تهديدًا محتملًا للسيادة، وبوصفها قوى يمكن أن تعيد تشكيل المجتمع على نحو يربك العقد الاجتماعي.

وفي هذا السياق، يصبح القرار الأميركي عامل تسريع وليس عامل تغيير جذري؛ يدفع نحو تشديد الإجراءات، لكنه لا يطيح بالبنى السياسية القائمة، لأن بنية الحكم الأردني تاريخيًا تجنّبت القرارات الراديكالية التي تُربك الاستقرار الاجتماعي أو تهدد الثقة بين الدولة والمجتمع.

فالأردن، وهو يقرأ المشهد الإقليمي، يدرك أن أولوياته هي الأمن والاقتصاد وتماسك الجبهة الداخلية؛ ولهذا لن يقامر بقرار بحجم حلّ البرلمان ما لم تتعاظم الظروف الداخلية – لا الخارجية – إلى درجة تهدد النسق العام للدولة، والسياسة الأردنية كما خبرها الداخل والخارج، تعمل بمنطق الاستجابة المحسوبة لا الاستجابة المنفعلة.

وباختصار شديد، يبدو أن السيناريو الراجح ليس حلّ مجلس النواب، بل توسّع محسوب في دائرة التشديد الأمني والسياسي ضدّ التنظيم وأذرعه، ضمن معادلة تحفظ الاستقرار الداخلي دون انجرار وراء ردّة فعل مباشرة للقرار الأميركي، وهذه هي البوصلة الواضحة اليوم، فالدولة الأردنية حتمًا تستمع لما وراء البحار، لكنّها لا تسمح لغيرها بأن يكتب فصلًا جديدًا في صفحات مسيرتها وأمنها الوطني.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :