مع الإمارات بعيدها الوطني، بقلب أردني ..
م. أحمد عبدالله المجالي
03-12-2025 02:03 AM
في اليوم الوطني الإماراتي الـ54، نقف أمام وطنٍ لا يشبه غيره، وطنٍ صاغ نفسه من الضوء، ورسم ملامحه بإرادة لا تعرف الانكسار. هنا حيث امتزج الرمل بالذهب، وحيث تعلّمت الصحراء كيف تُنبت مجدًا يلامس السماء، ولدت الإمارات كفكرة عظيمة قبل أن تولد كدولة، وكحلمٍ احتضن الإنسان قبل أن يحتضن العمران. ليست الإمارات مجرد أرض؛ إنها إحساسٌ يسكن القلب قبل أن تطأه القدم، ورائحة دفء تعانق كل من يجيء إليها وكأنها تقول له: أهلاً بك… هذا وطنك أيضًا..
وأقولها بكل يقين: الإمارات هي وطني الثاني الذي أحبه، الوطن الذي جمعنا تحت ظله، وفتح لنا أبوابه بكل حفاوة، ومنحنا الأمان والفرص والكرامة، وسألنا دائمًا من قلبه الكبير: ماذا تريدون؟
لقد تحولت الإمارات خلال سنوات قليلة إلى محطة أنظار العالم، دولة استطاعت أن تختصر المسافات، وتسبق المراحل، وتبهر الجميع بقدرتها على صناعة النجاح. من صحراء هادئة إلى مدن تضج بالحياة، من بيوت بسيطة إلى أبراج تلامس الغيم، من فكرة إلى إنجاز، ومن إنجاز إلى رؤية جديدة تتشكّل كل يوم… هذه هي الإمارات التي تقدم للعالم نموذجًا لا يتكرر..
وهذا كله لم يكن وليد مصادفة. فمنذ عهد الوالد المؤسس الشيخ زايد - طيب الله ثراه - بدأ البناء على أسس الحكمة والإنسانية والتسامح، فزرع بذور الاتحاد والوفاء، وأسّس دولة تحترم الإنسان، وتقدّر العمل، وتحتفي بالنجاح. لقد كان الشيخ زايد رمزًا للعطاء والفكر الرشيد، وحوّل الصحراء القاحلة إلى وطن ينبض بالحياة، وأضاء للعالم مثالاً على القيادة الحكيمة التي تجمع بين الحلم والطموح والإنجاز. جنبًا إلى جنب مع الشيخ زايد، ساهم الشيخ راشد في نهضة دبي الحديثة ووضع أسس التطور والبنية التحتية التي جعلت الإمارات مثالًا عالميًا للتقدم. ثم جاء القادة من بعدهم ليحملوا الراية بإخلاص لا يعرف التراجع؛ من الشيخ خليفة رحمه الله، إلى الشيخ محمد بن زايد الذي جعل للإمارات حضورًا عالميًا مُهابًا يقوم على القوة المتوازنة والإنسانية العميقة، ورسّخ مكانتها دولة استقرار وتقدم وسلام. ومن الشيخ محمد بن راشد، صانع الإبداع والابتكار، الذي واصل مسيرة الشيخ راشد وزرع روح التجديد في كل زاوية من دبي والإمارات، وجعلها منصة لأحلام العالم، لتصبح الإمارات مثالًا يحتذى به. وإلى جميع الشيوخ الذين واصلوا النهج ذاته، فجعلوا من الإمارات كتابًا من الإنجازات المتتابعة، لا تُقلب صفحاته إلا ليبدأ فصلٌ جديد من النجاح...
وفي موازاة قيادة تصنع المعجزات، يقف شعب الإمارات بقلبه النقي ووفائه وطيبته. شعبٌ إذا تعاملت معه شعرت بأنك بين أهلك، شعبٌ يحمل الكرم العربي الأصيل، ويُشعرك بأنك واحد منهم مهما كانت جذورك. ونحن كأردنيين نرى في هذا الشعب امتدادًا لقلوبنا، ونرى في علاقتنا بهم أخوة تشبه الروح، علاقة بدأت منذ أيام الشيخ زايد والملك الحسين رحمهما الله، وما زالت تنمو بالحب والاحترام إلى يومنا هذا..
الإمارات بلد يحترم الإنسان قبل أي شيء؛ بلدٌ تجد فيه الأمان حقيقة ملموسة، والنظام جزءًا من الحياة اليومية، والنظافة عنوانًا، والتطور حاضرًا في كل زاوية. هنا تُقدّر الجهود، وتُحتفى الموهبة، وتُفتح الأبواب لكل صاحب حلم. وهنا ترى التكنولوجيا تخدم الإنسان، وترى الخدمات تسبق توقعاتك، وترى الطموح بلا سقف.
وما يميز الإمارات أنها بطبيعتها طاقة إيجابية تمشي على الأرض؛ لا مكان فيها للتراجع، ولا مساحة للطاقة السلبية. التحدي جزء من هويتها، والنجاح عادة، والتميّز أسلوب حياة. الإمارات تحب المركز الأول، وتُعلّم كل من يعيش فيها أن يكون الأفضل وأن يحلم أكبر وأن يسعى بلا توقف.
نسافر إلى دول كثيرة ونشاهد جمالًا مختلفًا، لكن يبقى هناك شعور ثابت يقول: لا مكان يشبه الإمارات. هناك شيء في روح هذا الوطن يجعلك تشتاق إليه مهما ابتعدت، شيء يجبرك على القول: هذه البلد تعطي أكثر مما تأخذ… االبلد التي تمدعباءتها دائمًا لنا وتسألنا ماذا نريد؟؟
وفي ختام هذا اليوم المميز، نقف أمام الإمارات لا كضيوف عابرين، بل كمحبين يحملون لهذا الوطن وفاءً لا يزول، وكأبناء كتبوا أجمل فصول حياتهم تحت سمائه الرحبة. نقف أمام دولة أعطت الكثير دون أن تنتظر مقابلًا، وفتحت قلبها قبل أبوابها، ونسجت حول كل من يعيش فيها عباءة أمان وكرامة وفرص لا تنتهي..
ونرفع أكفّ الدعاء بأن يحفظ الله الإمارات، وأن تبقى وطنًا يصون الأمن، وينثر السلام، ويزرع في كل يوم بذرة ازدهار جديدة، وطنًا يعلّم العالم كيف تُصنع الأحلام وكيف يتحول الطموح إلى حقيقة..
ولتظلّ الإمارات نورًا لا يخبو، يهدي الدرب لكل من قصدها، وسماءً واسعة تظلّل أبناءها وكل من أحبّها، وواحة خير تمتدّ جذورها في القلب قبل الأرض...