الإعلام الهادف في تعاطيه مع الخطأ والخطيئة
خلدون ذيب النعيمي
10-12-2025 01:10 AM
تعد الوظيفة الرقابية من اهم واجبات الأعلام الهادف وهي بمثابة حلقة الوصل التي تجمع بين المسؤول من جهة وما بين الرأي العام وبشكل يحقق التشاركية بين هذه الجهات الثلاث لما فيه الخير على المستوى الاستراتيجي من خلال بناء الاحترام والثقة المتبادلة من خلال تشكيل الرأي العام الإيجابي في التعاطي مع مختلف المعضلات فضلاً عن التأكيد على جزئية العمل بعيداً عن غلبة الأهواء والرغبات الشخصية التي تجعل من تلك العلاقة ميداناً لتصفية الحسابات البينية ، وهنا تكمن اهمية دراية القائمين على العملية الإعلامية سواء أدارة او كاتبين ومحررين ومراسلين برمزية واجب "السلطة الرابعة" بما تعنيه من سلطة "وأن لم يكن منصوص عليها كسلطة دستورية" تتابع العمل العام والخاص بكل اريحية وتبرز ايجابيات العمل وتنبه لسلبياته بشكل يكسبها ثقتها وبالتالي تعاونها ، وبالتالي يبرز جيداً ان العمل الاعلامي كعمل اتصالي من مصلحته كسب الثقة والاحترام المتبادل مع جميع شركاء العمل بعيداً عن لغة انتظار الأخطاء بل واستقراءها وتوقع حدوثها من اجل البناء عليه في العمل الإعلامي .
من ابجديات أي عمل بما فيه العمل العام حصول هامش الاخطاء الغير مقصود نتيجة المستجدات فضلاً عن تغير مكان الأولويات بالنظر لوجود هذه المستجدات ، وهنا يأتي دور الإعلام بأن يكون المعين لصاحب القرار في تصحيح الخطأ أن وجد وحل المشكلة وبالتالي الحيلولة ان يصبح الإعلام جزء من المشكلة ، وقصة النجاح للإعلام تغدو بكونه معيناً لصاحب القرار وعيناً له تساعده على الالمام بالوضع العام واستشراق الحلول لا عيناً عليه تنتظر اخطاءه لتشهيرها ، وبالتالي ينصرف اهتمامه عن اداء العمل المناط به بالشكل المطلوب لصالح التفكير بالوقاية من التشهير فيصبح الخيار لديه "أسكن تسلم" عملاً بقاعدة "درء المفاسد أولى من جلب المنافع" كما يعتقد ، ولا شك هنا ان الوصول لهذه الحالة بأجواء العمل لن يقتصر تأثيرها على صاحب القرار بل الى فريق العمل ومنظومة العمل ككل .
وبالنظر لما سبق فإنه لا يحد من الوظيفة الرقابية للإعلام، بل يؤكدها وبآلية تكسبه المصداقية لدى كافة الأطراف خاصة جمهوره والرأي العام الحاضن له ، وهذا يعزز قدرته على اداء عمله الرقابي بطريقة نموذجية محصناً بالمسموعية المحترمة مهنياً من خلال احاطته بالبراهين الحقيقية التي تدعم روايته امام الراي العام بعيداً عن أجواء "يقال ويتردد" وغيرها من المصطلحات التي تقوض المصداقية وتنشر الفوضى عبر أثير المجتمع بما تحمله من نتائج سلبية لا تخفى ، وهنا لنا في التاريخ المعاصر الكثير من الأمثلة التي كان للأعلام الكلمة الأقوى في سير الاحداث العالمية وسيرة الأشخاص المؤثرين دولياً ومن ذلك فضيحة ووتر غيت التي اطاحت بالرئيس الاميركي الجمهوري رتشارد نيكسون في شهر آب 1974 بعد ادانته بقضية التجسس على مقر الحزب الديمقراطي حيث كان تقرير صحيفة الواشنطن بوست السبب في اثارة القضية ، وليس بعيد عن ذلك سقوط السردية الإسرائيلية التقليدية لدى الرأي العام الغربي في حرب الابادة الاخيرة على مدنيي غزة في شهر تشرين الاول 2023 وهو ما يفسر الاستهداف الاسرائيلي للصحفيين في غزة واستشهاد 255 صحفياً لغاية وقف اطلاق النار الاخير .
ويبقى للإعلام المتزن المتمرس والمتسلح بنهجه الأخلاقي وتعامله مع الخطأ بعيداً عن استباق حصول الخطيئة حتى تثبت الدور الايجابي لكافة الأطراف بما يحقق المصلحة العامة والخاصة على حد سواء ، وهو بلا شك الدور الذي يعزز مكانته الدائمة بعيداً عن الاقتصار على الحوادث الآنية ،
"فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) ، سورة الرعد .