facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تنظيم داعش الإرهابي وصناعة الهويات القاتلة


د. سعود الشرفات
20-12-2025 02:27 PM

بعد أكثر من ست سنوات على انهيار دولة تنظيم داعش الإرهابي بعد معركة الباغوز في سوريا 2019م يظل حاضرًا، ليس كقوة ودولة مكانية – مناطقية مسيطرة على الأرض، بل كقوة أيديولوجية تُلهم الإرهاب الفردي حول العالم.

الهجوم الأخير على شاطئ بوندي بسيدني، أستراليا، 14 كانون الأول -ديسمبر 2025م يوضح بجلاء هذه الظاهرة الجديدة: منفذو الهجوم لم يكونوا جزءًا من خلايا سرية، ولم يمروا بتدريب عسكري رسمي، لكنهم استلهمّوا سرديات وخطاب تنظيم داعش الإرهابي عبر الوسائط الرقمية، ما يعكس تحوّل التنظيم من كيان عملياتي منظَّم إلى إطار أيديولوجي قابل للتوظيف من قبل أي فاعل إرهابي. إذ يقدّم التنظيم سردية مبسطة وقابلة للتكيّف تقوم على ثنائية (نحن/هم)، وتُضفي شرعنة زائفة على الإرهاب المتخطّي للحدود بوصفه فعلًا انتقاميًا أو ردًا على مظالم متخيَّلة، فضلًا عن توفيره هوية وسردية جاهزتين يمكن لأي إرهابي توظيفهما بوصفهما شكلًا من الخداع المعرفي لتبرير فظاعة أفعاله الإرهابية.

إنّ هذا ما يمنح التنظيم قدرة على البقاء رغم الهزائم. فهو لم يعد يعتمد على السيطرة أو القيادة أو الأرض، بل على انتشار الالهام والمعنى. وكلما زادت حالات العنف والتطرف الفردي في مجتمعات تعاني من الاستقطاب والاغتراب، زادت قدرة تنظيم داعش على إعادة إنتاج حضوره، ولو من دون تنظيم فعلي.

فيما يخص هجوم سيدني الإرهابي؛ أكد رئيس وزراء أستراليا، أنتوني ألبانيز، يوم 20 ديسمبر 2025 أن الهجوم الإرهابي كان مُستوحى بإلهام من تنظيم داعش، بعد رصد بث فيديو رقمي يوضح أن التنظيم أصبح يُنتج تأثيره على الأفراد عن بُعد، عبر التحفيز الإيديولوجي أكثر من التخطيط المباشر. هذا التحول يعكس ربما - استراتيجية داعش الجديدة، القائمة على الاستثمار في الإرهاب الفردي او ما يسمى الذئاب المنفردة ومنحه معنى أيديولوجيًا، بدلًا من محاولة السيطرة على الأرض أو قيادة تنظيمات معقدة.

الإرهابي الجديد، كما يصفه أكثر من باحثٍ وخبير، يختلف عن الصورة التقليدية. فهو غالبًا شخص معزول اجتماعيًا، يعاني من اضطرابات نفسية أو تاريخ إجرامي، ويجد في خطاب وسرديات داعش تفسيرًا جاهزًا لغضبه أو إحباطه. التطرف العنيف هنا يسبق الأيديولوجيا؛ فالتنظيم لا يدفع الفرد بالضرورة لارتكاب الفعل، بل يمنحه لاحقًا سردية وهوية لتحويل الفعل الفردي إلى رسالة عالمية.

تجارب أستراليا وبريطانيا ودول أخرى تؤكد خطورة هذا التحول. في هجمات سيدني ومانشستر نفذ مهاجمون أعمالهم دون ارتباط تنظيمي واضح، لكن داعش كان حاضرًا في الخلفية الرقمية. في بريطانيا، أظهرت التحقيقات أن الأفراد الذين ليس لديهم انتماء تنظيمي قد يصبحون فجأة فاعلين إرهابيين، مستلهمين خطاب التنظيم. المشكلة أن أدوات مكافحة الإرهاب التقليدية صُممت لرصد التنظيمات، وليس لرصد التحولات النفسية والمعنوية التي تقود إلى التطرف العنيف والإرهاب الفردي.

في الصيف الماضي، بدأ التنظيم يُلمح إلى أنه لن يعلن رسميًا عن كل الهجمات الكبرى بعد الآن، لأن التزام الأفراد به قد يُظهر من خلال روابط أيديولوجية روحية بدلاً من تنظيمية. حتى التعهد البعيد أو السري يمكن اعتباره مشروعًا في نظر التنظيم، طالما تصرف الفرد وفق الرسائل الموجهة للتحريض على الإرهاب. وقد تم تطبيق هذا النهج على هجمات وقعت في سويسرا وصربيا وداغستان الروسية في 2024م حسب بعض المتابعين.

في الوقت نفسه، يواصل تنظيم داعش تطوير تكتيكه الدعائي عبر مختلف الأدوات الرقمية التي وفرتها سيرورة العولمة خاصة من خلال آلياتها التكنولوجية المحايدة. ففي هجوم سيدني الأخير، لم يعلن التنظيم عن أي رابط تنظيمي مباشر مع المنفذين، لكنه في نفس الوقت أشاد بهم في 18 ديسمبر 2025م بافتتاحية مجلة النبأ الأسبوعية الناطقة باسم التنظيم، واصفاً إياهم بالأبطال والأسود في خطوة تعكس اتجاهاً جديداً - وربما - سياسة جديدة تقوم على: ترك الهجمات الإرهابية الفردية مفتوحة للتفسير، وتجنب الالتزام بالمسؤولية المباشرة، بينما يُعزى له فقط ما يريد ربطه بأيديولوجيته. هذا التمويه يتيح له الحفاظ على حضوره رغم تراجع قدراته العملياتية عالميًا، ويخلق حالة من الغموض حول من هو المرتبط فعليًا بالخطاب التنظيمي ومن هو مستقل.

الأمثلة الأخيرة تبرز نوعًا جديدًا من الإرهابيين: نمط جديد يتكون من أفراد قد يرتكبون أعمالًا إرهابية دون أيديولوجية واضحة وهو ما يُعرف أحيانًا حسب بعض الخبراء بـ(الأيديولوجيات المختلطة وغير المستقرة). في بريطانيا مثلاً، كانت أغلب الحالات التي أحيلت خلال 2024م–2025م لبرنامج "الوقاية وهو أحد أربعة برامج مترابطة ضمن "استراتيجية بريطانيا لمكافحة الإرهاب" التي تتألف من أربعة برامج هي: الوقاية، الملاحقة، الحماية، والاستعداد؛ لأشخاص من هذا النمط، مما دفع الحكومة لطرح إعادة تعريف مفهوم التطرف لتركيز الاهتمام على السلوكيات المثيرة للقلق بدلًا من الانتماءات الفكرية وهو ما يعكس القانون الدولي الذي يركز على السلوكيات.

في الأردن، والدول العربية، تكسب هذه التحولات أهمية خاصة. فالدولة لم تعد تواجه خطر تنظيم يسعى للسيطرة على الأرض فحسب، بل مواجهة سرديات فضفاضة وخطاب قادر على استغلال هشاشة الأفراد والانقسامات الاجتماعية والسياسية لصنع هويات مُتخيّلة. فاستمرار النزاعات والصراعات المسلحة، والاستقطاب السياسي، والتهميش الاجتماعي للشباب، والأقل حظاً، والضغوط الاقتصادية-الاجتماعية، يخلق بيئة خصبة لانتشار خطابات وسرديات وهويات متطرفة، تتجاوز قدرة الأجهزة الأمنية التقليدية على التنبؤ والتدخل المبكر لحماية الدول وسيادتها والمواطنين.

لم تعد مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وانتشار خطاب الكراهية مسألة أمنية تقليدية فقط. فتفكيك الخلايا ومراقبة الاتصالات وتجفيف التمويل لم يعد كافيًا وحده. التحدي الحقيقي اليوم يكمن في فهم العلاقة بين العنف والتطرف الفردي، والصحة النفسية، والاغتراب الاجتماعي، والفضاء الرقمي المفتوح، والخطاب المتطرف المتخطّي للحدود.

إنّ مواجهة تهديد إرهاب تنظيم داعش تتطلب نهجًا متعدد الأبعاد. إلى جانب المراقبة الأمنية، هناك حاجة لتدخلات وقائية تشمل الصحة النفسية، والتعليم، والخطاب الديني المعتدل، والتوعية الرقمية، والعمل على إدماج الشباب في المجتمعات المحلية. فتنظيم داعش، في صيغته الحالية، لا يصنع الإرهابيين بالضرورة، لكنه ينتظر ظهورهم، ليمنح إرهابه اسمًا وهوية ومعنى وسردية تتماهى مع سيرورة العولمة المعاصرة، وهو ما يجعل التهديد حاضرًا رغم غياب التنظيم المباشر.

* مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :