facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مفهوم استقلال القضاء


المستشار القانوني جهاد العتيبي
22-12-2025 09:19 PM

أصبح استقلال القضاء مبدأ وراسخاً في ضمير العالم ووجدانه، فمهما استبيحت حرمة هذا المبدأ كما يحصل من الكثيرين مع الأسف إلا أنه لا بد عاجلاً أو آجلاً أن يأتي يوم يتحقق للقضاء إستقلاله الكامل قولاً وفعلاً وتطبيقاً.

ولن يتحقق الإستقلال إلا إذا تمتع القضاة بالإستقلال الذي يكونون فيه أحراراً في البحث عن العدالة التي تحتم أن يكون مستقلاً مستقلاً باتخاذ قرارته عن قناعة حقيقة مجردة عم أي تأثير خارجي،، وقد جاءت نصوص المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان لتؤكد هذا المبدأ لما له من أهمية ومكانة في الدولة الحديثة
إن عن استقلال القضاء يستمد شرعيته من مبدأ (الفصل بين السلطـات) في الدساتير التي نصت على الحقوق والحريات، وهذا المبدأ ليس بدعة بل أن كل دارسي الحقوق قد درسوه في بداية دراستهم القانونية، لذلك فهو مبدأ مستقر لا خلاف عليه، وهو يعني أولاً الفصل بين سلطات الدولة التشريعية، التنفيذية والقضائي، بأن يكون لكل سلطة إختصاصاً محدداً تختص به دون غيرها مع الحفاظ على التوازن مع اختصاصات السلطات الأخرى، والحرص على علاقة التعاون بينها، لذلك وعلى ضوء هذا المبدأ لا بد أن يكون القضاء مؤسسة دستورية تتولى وحدها اممارسة اختصاصاتها التي نص عليها الدستور وباقي التشريعات الأخرى، وبالنتيجة يجب أن يكون القضاء موحـداً له شخصية مؤسسية مستقلة لا أن يكون مجزءاً بين أنواع من القضاء لا تشكل بالنتيجة سلطة قضائية جامعة تنطوي تحتها كافة أنواع المحاكم كل حسب اختصاصها الوظيفي. وقد يسأل البعض لماذا إستقلال القضاء ؟ والجواب لان القضاء المستقل هو الأقدر على تحقيق العدالة، التي لا بد من البحث عنها في مساحات واسعة تبسط أمامه ليقول كلمته ويقرر حكمه ضمن مدد معقولة.

وان استقلال القضاء شرط لتحقيق الحياد، والحياد شرط لإحقاق الحق وإقامة العدل يعزز الاستقلال، والاستقلال يحمي الحريات والحقوق، والحريات المقصودة هنا لا تعني التحرر المنفلت بلا قيود، بل هي الحرية الملتزمة بالدستور والقانون ومسؤوليتها القضاء بين الناس بوحي من الضمير، فاستقلال القضاء لم يشَرع لينعم به القضاة بل لينعم به المتقاضون، لذلك لا يمكن أن تكتمل أي نظرية للعدالة بدون ترسيخ وحماية قيم الاختلاف باعتباره عنصر ثراء في المجتمع يحتاج إلى مؤازرة، حتى لا تضمحل عناصر التميز فيه.

لذلك نحن بحاجة إلى تطوير نظرية العدالة لتنبع من وفاق على مبدأ الشرعية لا باعتبار الشرعية مجرد تطابق مع القانون، و بما يكفل للتشريع قاعدة أخلاقية تنبع من وفاق عام على مبادئ مؤسسية تضمن إستمراريته وعدم تناقضه وتذبذبه من حيث دواعيه أو مراميه، فنحن بحاجة إلى ترقية نظرة مجتمعنا للقانون وتنقيته من صبغة الإلزام، ولا أقصد التخفيف من إلزاميته ونفاذه، بل القصد هو توفير الأرضية اللازمة لنشأة قناعة فطرية في مواطنينا على احترام القانون، وأن ننكر على كل من يحاول خرقه أو التحايل عليه، حتى يتكرس إحترام القانون في أخلاقيات المواطنة، وحتى يشكل المجتمع سداً منيعاً في وجه المارقين عليه بإعتباره الإطار الوحيد القادر على إعطاء دولة القانون والمؤسسات كل معانيها.

ولا شك أن عوامل التحـفيز الذاتي لكل فرد للذود عن استقلال القضاء لا يمكن أن تتم خارج التنشئة الحقوقية في بناء مفهوم المواطنة باعتبار أن آفة الجهل القانوني لا يمكن تجاوزها بسهولة ما لم نرسخ في كل مواطن صفته المرجعية في التشريعات وفي كل ما يصدر من قوانين، عن طريق إثراء الحوار اللازم لصياغتها واستيعابها في جميع مجالاتها بما فيها الفضاءات الإعلامية القادرة على بلورة رأي عام عريض ومتفاعل، لأنه بالنتيجة ان (الشعب هو مصدر السلطات).

وثبت خلال التاريخ البشري وتجاربه أن تحقيق العدالة في المجتمعات الحديثة التي أخذت مسيرة طويلة من النضال والكفاح من قبل شعوب عاشت قسوة الظلم ومرارته، جعلها تطور نظمها القضائية وتضع الضمانات لتكفل قدرًا كبيراً من الحيدة والنزاهة، وانتهت إلى تضمين مبادئ أعتمدت في تشكيل مواثيق ومرجعيات في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين وقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 تاريخ 29/11/85 والثاني 40/146 تاريخ 13/12/85 بشأن المبادئ الأساسية لإستقلال القضاء، وقد وضعت تلك القرارات الضمانات والمعايير التي يقاس بها مدى إستقلال القضاء وهي إستقلال السلطة القضائية دستورياً عن بقية السلطات.

وبالرجوع للمبادئ الأساسية لإستقلال السلطة القضائية الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 بتاريخ 29/11/1985 يتبين انه نص على: (تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليها دستور البلد أو قوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات إحترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية) والملاحظة الجديرة بالذكر أن الدستور الأردني كما هي معظم الدساتير العربية ينص على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ويشمل الإستقلال هنا المؤسسة القضائية ولا يقتصر على شخص القاضي.

واستقلال السلطة المؤسسية للقضاء كفيل بخلق القاضي المستقل، لأن رسالته هي حماية الحقوق والحريات والحفاظ على التوازن الاجتماعي، لذلك لا بد له من استقلالية وان توفر له الإمكانيات المادية والبنية التحتية والموارد البشرية اللازمة للقيام باختصاصاته خير قيام، وبعكس ذلك فإن مجرد تقرير مبدأ الإستقلال والإقتصار على ذلك دون تطبيق وتحقيق الاستقلال المؤسسي والشخصي، لذلك فالقضاء المستقل مصلحة للوطن وهو ملجأ ضروري للمجتمع والدولة ككل، للمحافظة على الاستقرار وردع من يريد تجاوز حدوده أو أن يقوم بهضم حقوق أفراد المجتمع وخاصة أصحاب النفوذ الذين يهوون توسيع نفوذهم الشخصي ولو على حساب إختصاص مؤسسات العدالة .

وبهذا المفهوم يجب حماية القضاة من التأثير عليهم من أي جهة كانت سواء من القضاة الأعلى درجة، أو من أصحاب النفوذ في السلطتين التشريعية أو التنفيذية، أو أصحاب النفوذ في القطاع الخاص، وأن تجّرم التشريعات هذا التدخل، مهما كانت صفة المتدخل، وفي نفس الوقت لا بد من تحصين القضاة من أنهاء خدماتهم قبل وصولهم للسن القانونية للتقاعد، إلا لأسباب صحية تمنعه من مزاولة رسالته، أو لأسباب تأدبيبة وفق معايير المحاكمات والإجراءات العادلة أو الوفاة، وبغي ذلك يجب الغاء أي مادة في تشريعات القضاء تخالف هذه المفاهيم.

وقد نص البند الخامس من المبادئ الأساسية لإستقلال السلطة القضائية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة المشار إليها سابقاً بأن : (لكل فرد الحق في أن يحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة، ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول المتبعة بالتدابير القضائية التي تنزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية.

ومما لا شك فيه أن تحقيق العدالة يؤدي للاستقرار السياسي وسيادة القانون وتجنب الظلم والاستغلال والتعسف، ويؤدي إلى تنمية إقتصادية سليمة، وحماية حقوق الناس وحرياتهم، وخاصة الذين يبحثون عن العدالة في جنبات المحاكم، ويؤدي إلى تحقيق الإستقرار والسلم الإجتماعي، مع التأكيد على أن إستقلال القضاء له تـأثيراتـه العامة النفسية والمعنوية على الناس وحبهم وولائهم اتجاه بلدهم إذا شعروا بالعدالة والأمن والأمان، وقد تنبهت مؤسسات التنمية الدولية في الوقت الحاضر لمبدأ تعزيز إستقلال السلطة القضائية واعتبرته وسيلة فعالة في محاربة الفقر عبر تعزيز العدالة الإقتصادية والإجتماعية الذي يصعب من دونه إستمرار إصلاح إقتصادي أو سياسي أو اجتماعي، إذ لا يمكن حماية جميع الحقوق وتسوية المنازعات وتحقيق العدالة بدون وجود قضاء مستقل.

لذلك فإن التحديث والاستقلال المطلوب هو الذي يحقق العدالة الناجزة لنعيد بناء الذات بمنطق الحرية والاستقلال وان ترقى المؤسسة في قراءة التاريخ والمجتمع من منطق الدولة ذاتها في تحولها نحو الديمقراطية والحرية نحو العدالة، ولن يتسنى ذلك إلا بقدر وعيها للشرعية المؤسسية للدولة ذاتها بحيث ينحسر تأثير الأشخاص والأسماء ،والتنظيمات والمصالح والإغراءات إلى مقاييس المبادئ التي يستوي في ميزانها الحق ويزهق الباطل ويتجلى بها جلال الشرائع والتشريعات بما يوطد الشرعية في منظومة القضاء.

وما نعنيه بتوطين الشرعية في منظومة القضاء هو ما نعتقد أن مدلول استقلال القضاء في اصدق معانيه، بحاجة إلى استكمال بنية السلطة القضائية في علاقاتها ومركزها من بقية السلطات من حيث تركيبها واختصاصاتها ومسؤولياتها والدور الموكول إليها في إطار القضاء وفي إطار مؤسسات الدولة بصفة عامة، وكلها مواضيع تدخل في صميم العلوم القانونية، وتتطلب الرجوع إلى كل المقاربات والتجارب والإلمام بكل المعطيات والأهداف، وهي مسؤولية مشتركة لكل الخبرات القانونية التي يزخر بها بلدنا اليوم.

لقد تحولت الدولة الحديثة إلى مؤسسة محكومة بصراع منافسة لا تقل متطلبات تسييرها عن غيرها من المؤسسات فهي تسوق البلاد في استقطاب الاستثمارات وترويج المنتوجات وتقديم الخدمات، يحكمها منطق النجاح والفشل في بورصة الدول، كما تحكم البورصة مصير المؤسسات في حصص تداول الأسهم، وغني عن البيان الدور الموكول للقضاء في إنجاحها.

لذلك فإن منطق العدالة يجب أن ينبع من منطق المؤسسة، وليس من نوازع أفرادها الذين يكونونها، أن فكر المؤسسات عندما ترتقي في هيكليتها وكفاءة أدائها يطحن نوازع أفرادها، ويفضح الرداءة ويقصيها من دوائر القرار، وما يميز نظام العدالة القائم على مبدأ الاستقلالية كتعبير عن السلطة القضائية في موازاة باقي السلطات في إطار نظام متكامل وديمقراطي يتمثل في الاختلاف الجذري من حيث الارتباط، فالوظيفة السياسية والبرلمانية لا يمكن أن تستمر في كل الحالات إلى ما لا نهاية، وهو ما يختلف اختلافاً جذرياً عن الوظيفة القضائية سواء من حيث متطلبات الإستقرار والاستمرار أو من حيث المرجعية التي يجب أن لا تقتصر على نظام معين، أو أن تتلون بحسب تبدل الحكومات والمجالس النيابية، بل إن مرجعيتها لا بد أن ترتبط مباشرة بالدولة بقطع النظر عن تبدل الاتجاهات السياسية والحكومية، وهي بهذا الاعتبار المؤتمنة الحقيقية على إستمرار الدولة شأنها شأن المؤسسة العسكرية والأمنية مهما كان رئيس الحكومة أو الحزب أو التيار الغالب في البرلمان .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :