facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تنظيم سرايا أنصار السنة الارهابي وتحديات الدولة السورية


د. سعود الشرفات
27-12-2025 08:35 PM

تفاجأ العالم بظهور تنظيم سرايا أنصار السنة الإرهابي في سوريا بعد إعلان مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس الأرثوذكسية في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق في 22 يونيو 2025، وأسفر عن مقتل نحو 25 شخصًا وإصابة أكثر من 60 آخرين أثناء قداس الأحد، في واحدة من أعنف الهجمات على الأقليات الدينية منذ سنوات طويلة.

لم يكن ظهور التنظيم مفاجئًا من حيث الأيديولوجيا أو البنية، بل يمثل تتويجًا لمسار طويل من التطرف العنيف والإرهاب في سوريا بعد سقوط النظام السابق. فقد استفاد التنظيم من الفراغ الأمني وتفكك التنظيمات الكبرى، وأعاد المقاتلون السابقون والمنشقون والعناصر الخارجة من السجون أو التسويات المحلية تنظيم أنفسهم في شبكات لامركزية حافظت على أيديولوجيتها رغم فقدانها الإطار التنظيمي الصلب. هذا الكمون التنظيمي سمح ببقاء فكرة الإرهاب الطائفي حيّة إلى أن توفرت الظروف السياسية والأمنية الملائمة للظهور العلني.

من اللافت أن التنظيم تعمد الظهور بشكل صاخب لإعلان نفسه من خلال عمليات إرهابية انتحارية صادمة، وهو نهج سبق أن استخدمته تنظيمات مثل القاعدة وتنظيم داعش لإثبات وجودها وجذب الانتباه الدولي والإقليمي. هذا الأسلوب لا يقتصر على إظهار القوة فقط، بل يسعى لإحداث صدمة نفسية واجتماعية لدى السكان وفرض حضور التنظيم على المشهد الأمني والسياسي.

ويثير بروز التنظيم تساؤلات حول طبيعته وعلاقته بالتنظيمات الإرهابية الأخرى في سوريا خاصة تنظيم داعش، إذ يظل السؤال مطروحًا إن كان التنظيم تابعًا لداعش أو يمثل واجهة مستقلة له، أو أنه مجرد انشقاق عن هيئة تحرير الشام يضم العناصر الساخطة على سلوك الهيئة والتحولات التي طرأت على بنية الهيئة بعد السيطرة على السلطة. وهناك أيضًا معلومات غير مؤكدة عن انضمام كوادر من تنظيم حراس الدين المرتبط بالقاعدة، والذي أعلن حل نفسه رسميًا في 28 يناير 2025 بعد سقوط النظام السابق، معتبرًا أن مهمته في سوريا قد انتهت. وفي الوقت نفسه، ترددت اتهامات من بعض الأطراف الكردية بأن تركيا قد تقف خلف دعم هذا التنظيم، وهو أمر يظل محل جدل ونقاش سياسي.

يتبنى تنظيم سرايا أنصار السنة خطابًا ايديولوجياً تكفيريًا يستهدف الأقليات الدينية والطائفية ويبرر الإرهاب بوصفه أداة للتطهير المجتمعي، ويتجاوز معاداة النظام السابق أو الخصوم السياسيين ليشمل فئات اجتماعية كاملة، ما يمنح أعماله بعدًا وجوديًا يسعى إلى تفجير النسيج الاجتماعي وإظهار الدولة السورية الانتقالية عاجزة عن حماية مواطنيها. وقد واصل التنظيم سياسته الطائفية بالعمليات الإرهابية الانتحارية، حيث استهدف في 26 ديسمبر 2025 مسجد الإمام علي بن أبي طالب في مدينة حمص أثناء صلاة الجمعة، وأسفر الهجوم عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 18 آخرين، ما يعكس الانتقال من العمل المحدود إلى استراتيجية الصدمة الطائفية.

ويمثل نشاط التنظيم تحديًا مركبًا للدولة السورية الانتقالية، إذ يكشف هشاشة الأمن وعدم القدرة على احتكار القوة، ويؤكد أن معالجة التطرف العنيف والإرهاب لا يمكن أن تقتصر على الإجراءات الأمنية وحدها. فالنهج الأمني، رغم أهميته في مواجهة العمليات الفردية والخلايا المسلحة، لن ينجح في معالجة البيئة الفكرية والاجتماعية المنتجة للتطرف، وهو ما يتطلب إصلاحات مؤسسية وسياسات عدالة انتقالية، وبرامج نزع السلاح وإعادة الإدماج، ومكافحة خطاب الكراهية.

ولا يقتصر تأثير التنظيم على الداخل السوري، إذ يمتد إلى الجوار الإقليمي، حيث يعزز نشاطه في صورة خلايا صغيرة ذات دوافع طائفية واضحة المخاوف في دول مثل الأردن الذي يعتبر جنوب ووسط سوريا عمقًا أمنيًا حساسًا. استقرار سوريا أصبح قضية أمن قومي إقليمي ويستدعي تنسيقًا أمنيًا واستخباراتيًا مكثفًا، لأن أي فشل في احتواء هذا التهديد قد يفتح الطريق لانتشار الإرهاب عبر الحدود ويزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في المنطقة بأكملها.

وعالميًا، يضع استمرار نشاط التنظيمات الإرهابية مثل سرايا أنصار السنة قيودًا صارمة أمام أي تقارب بين الدولة السورية الجديدة والشركاء الدوليين، إذ تُعد مكافحة الإرهاب وحماية الأقليات شرطًا لا غنى عنه لإعادة دمج سوريا في النظام الدولي. إن ظهور التنظيم العلني ليس مجرد حادث أمني، بل مؤشر على أن التهديد الإرهابي في سوريا متجذر وقد سبق التحولات السياسية الأخيرة، وأن التحدي الحقيقي يكمن في البيئة التي تنتج التطرف والعنف والإرهاب، وليس مجرد اسم التنظيم أو عملياته الفردية.

إنّ نجاح الدولة السورية في مواجهة هذه الجماعات الإرهابية لن يُقاس بالقضاء على تنظيم معين فقط، بل بقدرتها على استعادة السيطرة الأمنية وبناء مؤسسات قوية وقادرة على منع إعادة إنتاج التطرف العنيف والإرهاب، وضمان حماية جميع المواطنين دون استثناء، وتحقيق الاستقرار الداخلي الذي يمتد أثره إلى استقرار الجوار وإعادة سوريا إلى المجتمع الدولي بشكل كامل.

* مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب. عمان -الأردن





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :