نَحْوَ تربيةٍ إعلاميةٍ جديدة * سليمان الطعاني
16-01-2012 03:01 AM
نعيش اليوم في عالم تأتينا فيه المعلومات على مدار الساعة وبجميع الصيغ التي يمكن أن نفكر بها، مسموعة ومقروءة، وصور أو رسوم ثابتة أو متحركة أو فيديو. وهي معلومات تحمل قيم واتجاهات أولئك الذين أعدوها أو نقلوها من مصادر أخرى لتحقيق أهداف معينة. وليست الخطورة في وجود هذا الكم الهائل من المعلومات، وإنما في إمكانية الوصول إليها من قبل الأفراد من جميع الأعمار. ولذا، لم يعد للخصوصية مكان في عالم المعلومات المفتوح، فلا الجهات الرسمية تستطيع التحكم بها، ولا الكبار يمكنهم توجيهها زمانًا أو مكانًا كمًا أو كيفًا للأطفال أو اليافعين. في وقت أصبح فيه انتشار وسائل الإعلام وتعددها مع إمكانية الوصول السريع للخبر والتركيز الآني عليه أصبح وباءً بحد ذاته.
الشفافية والرقمية هي ما يميز إعلام عالم اليوم، شفافية الثقافة بكل أصنافها.كيف يمكن التعامل مع هذا الواقع الجديد والمستقبل القريب عندما يحمل الأطفال العالم بكل ما فيه من ثقافات في هواتفهم المحمولة؟
الكلام يقودنا إلى أهمية وضرورة التربية الإعلامية في هذه الأيام Media Education كأساس وأداة لحماية المواطن من الآثار السلبية للرسائل الإعلامية في وقت أصبحت فيه وسائل الاتصال الجماهيرية جزءًا من الثقافة اليومية للفرد وباتت الحاجة ملحة لإعداد النشء للحياة في عالم يتميز بقوة الرسائل المصورة والمكتوبة والمسموعة وتمكينه ليكون ناقدًا يتحكم بتفسير ما يشاهده أو يسمعه، وليكون نموذجا للمتلقي النشط Critical Autonomy بدلا من ترك التحكم بالتفسير للرسائل الإعلامية نفسها، و تحويل استهلاك الرسائل الإعلامية إلى عملية نقدية نشطة لمساعدة الأفراد على تكوين الوعي حول طبيعة تلك الرسائل وفهم دورها في بناء وجهات النظر حول الواقع الذي يعيشون فيه. وتعليمهم مهارة التعامل مع وسائل الإعلام، بصفتها صانعة التغيير ، وصاحبة السلطة المؤثرة، على القيم والمعتقدات والتوجهات والممارسات، في مختلف الجوانب، اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.
تربية إعلامية يكون معها المتلقي واعياً وقادراً على انتقاء ما يشاهده أو يسمعه أو يقرؤه انتقاءً استراتيجيًا، وتحليله وتبيان ما هو مفيد وما هو ضار، ما هو مغشوش أو مشوش، ما هو حقيقي وما هو ملفق، ما هو منطقي وما هو متناقض مع المنطق، ما هو مكتمل وما هو منقوص ما هو صادر عن علماء متخصصين أو هواة.
مشروع يهدف إلى حماية المجتمع من المخاطر المحتملة لوسائل الإعلام، والتضليل الإعلامي والتلاعب بالعقول، وتمكين الجميع من التعامل معها بمهارة ومهنية لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والاختيار منها، وتعلم كيفية التعامل معها، والمشاركة فيها، بصورة فعالة ومؤثرة سيما وأن الإعلام أصبح قوة تبني واقعًا،إذا وهو المسئول عن معظم الخبرات التي على أساسها نقوم ببناء فهمنا الشخصي للعالم. وهو الذي يعطينا على نحو كبير إحساسنا بالواقع، والكثير من وجهات نظرنا مبنية على أساس الرسائل التي تم بناؤها مسبقًا من قبل وسائل الإعلام وتحمل اتجاهات ووجهات نظر قررت مسبقًا من قبل جهات تمتلك ناصية الإعلام ويقدمون أنفسهم على أنهم أساتذة الفكر ورجال الإصلاح في المجتمع
حتى وقت قريب كان مفهوم محو الأمية Literacy يركز على محو أمية القراءة والكتابة، وبرغم أهمية هذه المهارات وبقائها في منظومة المهارات الأساسية، إلا أن التطورات الضخمة في تقنية المعلومات والاتصال، جعلت المنظرين يعيدون النظر في هذا المفهوم لتتداخل فيه مجموعة قدرات ومهارات الثقافة الشفهية والمكتوبة والبصرية والرقمية وما يرافق ذلك من قدرة على فهم قوة المرئيات والمؤثرات الصوتية واستخدام تلك القوة لمعالجة وتحويل الرسائل الرقمية ونشرها وتكييفها بصيغ جديدة ،
إنها محو الأمية الإعلامية، التي يصل من خلالها الأفراد إلى المهارات والخبرات التي يحتاجونها لفهم الكيفية التي يشكل معها الإعلام إدراكهم وتهيئتهم للمشاركة كصانعي إعلام ومشاركين في بناء مجتمعاتهم ضمن أخلاقيات وضوابط حرية الكلمة في ظل إعلام رقمي في فضاء تغيب عنه نظم المسؤولية والمساءلة, محو أمية إعلامية لتعليم جيل المستقبل وإفهامه ثقافة الإعلام الجديد، وأسس القراءة النقدية للوسيلة بدلا من تركهم نهباً لوسائل إعلامية قاصرة أو ذات مهنية ضعيفة.
staani@uop.edu.jo