حراك سياسي بامتياز تشهده المنطقة. الملك عبد الله الثاني يزور موسكو, و يتجه بعدها الى الدوحة. أما لقاء اوباما-بوتين, فستتبعه زيارة أوباما للمنطقة و لقاءه بأطراف التسوية الفلسطينية.

لا يمكن اعتبار زيارة الملك عبد الله الثاني الى موسكو زيارة بروتوكولية, بل يجب التوقف مطولاً عند ابعاد و تبعات الزيارة التي من المتوقع ان تظهر نتائجها قريباً خصوصاً مع اقتراب تبني الرؤية الروسية للحل في سوريا. الأردن معني تماماً اليوم بفتح خطوطه السياسية مع روسيا, لكنه بلا شك, معني بالحفاظ على توازناته السياسية و حلفاءه التقليدين. الحقيقة, أن الأردن استغل لحظات انعدام الوزن السياسي الناتج عن الرؤى المتضاربة للأزمة السورية, ليعزز ظهوره بصوت العقل القادر على تقديم رؤية واقعية للمشهد السوري و أخطاره. بالتالي كانت الرؤية الأردنية أقرب الى الرؤية الروسية خصوصاُ فيما يتعلق بخطر الفراغ السياسي و تدمير المؤسسة العسكرية و انتشار الفوضى و الارهاب. لاحقاً استطاعت عمان نقل رؤيتها السياسية و الأمنية لحلفائها في واشنطن, و بالتالي نجحت بتقريب رؤية الحليف الأمريكي الى رؤيتها الاستراتيجية, و التي لخصها الملك عبد الله الثاني في واحد من أهم المحافل الدولية في دافوس, حيث كانت رسالته الى العالم بضرورة الالتفات لخطورة ما يجري على الأرض في سوريا و تبعاته في الاقليم و انعكاسه على السلم العالمي.

هذا ما جعل الأردن قادراً على تقديم رؤية عقلانية لطبيعة التعامل مع الأزمة السورية, خصوصاُ بعدما ثبت فشل رهانات كثير من الدول على السقوط السريع للنظام في سوريا و محاولة رسم سيناريوهات حالمة لمرحلة ما بعد سوريا. هذه الرؤية الأردنية جعلت من الطبيعي ان يلعب الأردن دوراً اقليمياً قادراً على التواصل مع الاطراف الدولية و الإقليمية, فتجاوز خطر تفجير الداخل الأردني بالإضافة الى اتقان فن لعبة استرضاء الجميع و المناورة في المنطقة الرمادية التي انتهجها الأردن في السنتين الأخيرتين, كلها عملت على تعزيز قدرة الأردن على ابقاء ابواب التواصل مع كل الاطراف و بالتالي القدرة على فرض وجهة النظر الأردنية على الخصوم و الحلفاء على حد سواء.

ما الذي يريده الأردن من روسيا


بالرغم ان العلاقة الروسية الأردنية قد تغلف بعدة اوجه تعاونية متعددة سواء اقتصادية او تعاونية او حتى استخباراتية, الا ان المطلوب روسياً في هذه المرحلة هو موقف أردني بناء يساهم في بلورة التصور الروسي لشكل التسوية السورية و طبعا التعاون في مجال مكافحة الارهاب. اما أردنياً فان المطلوب يتعدى فكرة التعاون الاقتصادي. الأردن يسعى لبناء شراكة سياسية عقلانية, تأخذ بعين الاعتبار صعوبة الانقلاب على التحالفات التقليدية لكنها في نفس الوقت تدرك حجم الاخطار القادمة من فكرة الحليف الواحد. خصوصاً ان الملك عبد الله الثاني أدرك في السنتين الأخيرتين حجم الاستهداف الذي سعى الى وضع الاردن في زاوية ضيقة و بالتالي تطويعه لفرض شروط سياسية جديدة او حتى نظام حكم جديد وفقاً لرؤية بعض الدول. الأردن يدرك تماماً ان نجاح التسوية السياسية في سوريا سيفتح باب التسوية الاقليمية و بالتالي فرض سيناريو الحل النهائي للقضية الفلسطينية. بالتالي فان الأردن يستشعر قلقاً من محاولات فرض شكل التسوية النهائية على حسابه, و هذا ما قد يفسر عدم الارتياح الاردني لموقف حلفاءه التاريخين (الولايات المتحدة و بريطانيا) من شكل الحل النهائي. الأردن يسعى للحصول على دعم سياسي روسي يوازي حجم الدعم الذي قدم لسوريا, و هذا لا يمكن ان يتم دون تقديم خدمات جليلة لموسكو في ملف التسوية السورية و الذي يبدو ان الأردن قد بدأ بتقديمه فعلياً. هذا ما قد يفسر الطلب الصريح الذي قدمه الملك عبد الله الثاني للرئيس بوتين بضرورة دراسة تفاصيل عملية السلام و التسوية النهائية في الشرق الأوسط. اما جواب القيصر الروسي فلخص شكل المرحلة القادمة بالقول :"ان الملك عبدالله صديق مرحب به في اي وقت في روسيا"


الملك عبد الله في الدوحة

الصورة التي أعاد الأردن رسمها لموقعه الجيوسياسي تجعل من المنطقي ان تستمر الحركة المكوكية للعاهل الأردني. زيارات خاصة و أخرى معلنة تحددها شكل الرسالة و وجهتها. محطتين (قطر و تركيا) قد يزورهما الملك عبد الله الثاني متسلحاً بالسيف الروسي و الترس الأمريكي (اطراف الحل في الأزمة السورية.) و من المتوقع أن تكون الدوحة هي أولى المحطات, و التي سيزورها الملك الأردني للحديث في خمسة نقاط رئيسية:

1- ضرورة ان يعدل الأمير القطري عن فكرة زيارة رام الله و انهاء مبادرة السلام العربية و عدم طرح ما يسمى مبادرة السلام القطرية. و ذلك من أجل مصلحة الجميع في الاقليم و خصوصاُ الأردن و السعودية.

2- وضع القطريين بصورة التفاهمات و التطورات الأخيرة لشكل التسوية السياسية في سوريا و شكل الاتفاق الأمريكي الروسي.

3- ضرورة ان تتهج الدوحة سياسة أقل عداءً في المنطقة سواء مع جيرانها الخليجيين او سوريا, و بالتالي توقيف جميع انواع الدعم المادي و السياسي لإطراف و أحزاب تأجيج الأزمات.

4- اظهار القدرة الأردنية على لعب دور في اخراج قطر من مرحلة صراع كسر العظم مع سوريا, و تهيئة المناخ مستقبلاً لفتح باب المصالحات, على غرار ما حدث بين السعودية و سوريا بعد فشل خطة بندر واحد (2005-2007)

5- ضرورة قطع التواصل القطري مع بعض أفراد و تنظيمات في الداخل الأردني, و عدم محاولة تأجيج الصراع الداخلي في الأردن, او التفكير في خلق نقاط ساخنة على الساحة الأردنية, حيث ان كثير من التقارير الأمنية الأردنية تشير الى ارتباط ضمني و مباشر بين الدوحة و اطراف فاعلين في المشهد الاجتماعي و السياسي الأردني.

هذه اللياقة السياسية الأردنية قد تشير الى ان رغبة أردنية باستباق زيارة الرئيس الامريكي للمنطقة عبر ترتيب الاوراق الداخلية و شكل التحالفات الاقليمية و الدولية. المهم ان هذا المسعى يتطلب حكومة سياسية أردنية ذات طابع دبلوماسي تعددي قادرة على التعامل مع متطلبات التسويات المختلفة و شخوصها, و قادرة على فتح خطوط تواصل جديدة مع جميع الاطراف. اما التحدي الآخر و الذي قد يؤدي –لا قدر الله- لضرب هذه الانجازات السياسية فيتمثل بعدم القدرة على رأب الصدع السياسي في الشارع الأردني, و الفشل في خلق حالة من التناغم الداخلي, و الذي قد يؤججه لاحقاً الملف الأصعب المتعلق بالتحدي الاقتصادي, الذي يؤمل من التحالفات الأردنية الجديدة ان تكون قادرة على منع آثاره السلبية او تخفيف عمق حدته على أقل تقدير.