كتاب اردنيون :خطاب نصر الله لايبني وطنا وجعل لبنان رهن اطماع فارس واحقاد البعث ..
10-12-2006 02:00 AM
عمون - اجمع الكتاب والصحفيون في الصحف الاردنية الصادرة اليوم الاحد بصورة لافتة على ان هناك تناقضا كبيرا في خطاب السيد حسن نصر الله الاخير وانه "لايبني وطنا ولغته تخوينية يجعل لبنان رهن اطماع فارس واحقاد البعث " ...ووقفوا في مقالات وافتتاحيات كانت جميعها منصبة نحو الذي يجري في لبنان مع حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيوره وقوى 14شباط وذلك في اشارة واضحة للموقف الاردني المؤيد للحكومة في لبنان .. وتحت عنان "حزب سياسي أم ميليشيا مسلحة؟" كتب فهد الفانك يقول :
كان حزب الله ميليشـيا شيعية مسلحة يشكل وجودها استثناء من اتفاق الطائف الذي نص على حل جميع المليشيات. وبعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000 ، أصبح تحت الضغط ليتحول إلى حزب سياسي عادي ، -يعنى بالشأن اللبناني الداخلي ، ويتخلى عن كونه حركة مقاومة مسلحة تسيطر على لبنان جنوب الليطاني وحتى الحدود الإسرائيلية ، وتحول دون نشر الجيش النظامي وبسط سـيطرة الدولة اللبنانية على المنطقة ، بحجة مزارع شـبعا. بعبارة أخرى كان الحزب دولة داخل الدولة. وهو وضع غير طبيعي وغير قابل للاستمرار.
بعد حرب تموز الأخيرة ، انسحب حزب الله مجبرا أو مختارا من جنوب الليطاني إلى شـماله وحتى بيروت. وتحول من حركة مقاومة لعدوان إسرائيلي ولتحرير مزارع شـبعا إلى مقاومة حكومة الأكثرية برئاسـة فؤاد السنيورة ، الذي أدار أزمة الحرب بكفاءة ، وفرض نقاطه السـبع على القـرار الدولي 1701 وأعلن أن عروبة لبنان غير مشروطة.
حزب الله لم يكتشف بعد عـدم لزوم السلاح والمقاتلين شمال الليطاني وفي ساحات بيروت ، واستحالة مقاومة إسرائيل أو تحرير شـبعا عن -بعد ، وبذلك يكون قد اسـتدار 180 درجة ليدير ظهره لإسرائيل ، ويوجه قوتـه لفرض إرادته على الحكومة الشـرعية وتهديدهـا بالشارع والانقلاب على الشرعية.
نجح حزب الله كحركة مقاومة لأنه كان يتمتـع بدعم الشـعب اللبناني بجميع فئاتـه ، أما وقد دخـل في صراع كسر عظـم مع السـنة والدروز وثلثي المسيحيين فإن المعادلة تكـون قد انقلبت رأسا على عقب.
أصبح حزب الله الآن ذراعا لقوى إقليمية ترى في لبنان سـاحة لتنفيـذ أجنداتها ، وهي القـوى التي سـبقته للإعلان عن انتصارهـا الإلهي.
سلاح حزب الله فقد شرعيته عندما ابتعد أو أبعد عن خط التماس مع إسـرائيل ، وأصبح ينذر بجولة أخرى من تصفيـة الحسابات الإقليمية على السـاحة اللبنانية.
إيران لا تمد حـزب الله بالسلاح ومئات الملايين من الدولارات لوجـه الله ، بل لخدمة أجندة إقليمية تريد الهيمنة على المنطقـة ، وتبدي اسـتعدادها للتفاهم مع أميركا على عقد صفقـة لاقتسـام الغنائم العربية. بحيث يؤول العراق لإيران ويعود لبنان لسـورية.
اما طارق مصاروه فكتب يقول في مقلته المعنونه ب : احجية تبحث عن فهم! :
لا احد في الاردن ينام ويصحو على صورة السيدين فؤاد السنيورة او حسن نصرالله! فلبنان في قلوب الاردنيين وعقولهم هو فيروز، والثقافة، والجبل الاخضر ومحلات التسوق في بيروت. وفيما عدا ذلك فللسياسيين لبنانهم - كما يقول جبران - ولنا لبناننا!! ومن يريد ان يكون له دور مؤثر في الشأن اللبناني فإن عليه ان يجهز نفسه باطنان من الدولارات والصواريخ.. وهذا لا يتوفر في الاردن!
طبعا نحن لا نؤمن بموقف «اصطفلوا»!! خاصة حين يكون الاحتكام للشارع او الاغتيالات بديلا للمجلس النيابي والديمقراطية. فخطاب الشيخ حسن نصرالله لم يكن مفهوما بالمقاييس العادية للمنطق السياسي:
- فهو يتهم فؤاد السنيورة وفريقه بالعمالة للولايات المتحدة لكنه مصر على اقامة حكومة وحدة «وطنية» معهم!
- وهو يتهم «بعض الاكثرية» بأنهم تجسسوا لاسرائيل لمعرفة مقره اثناء الحرب الاخيرة.. ومع ذلك فهو مستعد لمشاركة «الجواسيس» في حكومة يكون له او لحلفائه «ثلثها المعطل»!
- وهو «مقاومة» حين تنسحب قواته الى الليطاني لكنه مع ذلك وافق على قرار مجلس الامن 1701 الذي ينص على خروج حزب الله وسلاحه من الجنوب.. حتى الليطاني!
- ويبدو ان الشيخ حسن نصر الله ينسى انه يخاطب العقلاء الراشدين.. فهل يصدق هو نفسه ان اميركا كانت واقفة على رجل واحدة حتى قيض لها الله سياسي لبناني من جماعة السنيورة، «ليطلب» منها شن الحرب على حزب الله.. فاوكلت الخدام الاسرائيلي بتنفيذ «رغبة» هذا السياسي اللبناني.. وشنت الحرب؟؟ كلام لم نسمع مثله في العلاقات الدولية منذ ايام الطيب الذكر في اذاعة صوت العرب!
لا يريد قائد حزب الله وقائد المعارضة اسقاط الحكومة لكنه يريد ان يكون جزءا منها. وان يملك فيها الثلث المعطل، لكنه وهو العارف بأن فؤاد السنيورة وجنبلاط، والحريري، وجعجع لا ترهبهم مظاهرة اسمها اعتصام، فإنه يكشف بقية السيناريو فيعلن ان خطوته القادمة ستكون حرمانهم من المشاركة في الحكومة التي سيشكلها!!
الشيخ حسن ليس معنيا بالانتخابات، ولا بقانون انتخاب جديد ولا برئيس جمهورية.. فقد وضع للبنان ثوابت مستقبلية قائمة على «شرعية المقاومة» حتى بعد ان اصبح جنوب لبنان قاعدة اطلسية. وشرعية الاحتكام «للشـعب» المسلح بعشرين الف صاروخ، وأموال لا حدود لها، و«فرق موت» متخصصة باغتيال السياسيين ومنع التحقيق معهم، ووقف محاكمتهم، فهل يصدق احد ان قضية اغتيال وزير عامل في الحكومة ما تزال دون تعيين مجلس تحقيق.. لأن رئيس الجمهورية مشغول عن المجلس العدلي بادارة شؤون الدولة؟!!
لا نعرف كيف ستنتهي ازمة لبنان بعد خطاب السيد نصرالله.. من يوم الخميس الفائت، الى ان تجد واشنطن وطهران صيغة اقتسام للدور الاقليمي المطلوب ولوطن العرب الغائبين!!
وكتب رئيس تحرير يومية " الغد " يقول : ايمن الصفدي يقول :
كان باستطاعة حزب الله أن يعيش دهراً على مجد حققه مقاتلوه في مواجهة عدو يُجمع العرب على أن كل تصد له بطولة. فذلك مجد جعل من حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله رمزاً تجاوز حدود لبنان إلى كل بقاع عالم العرب.
وبنى نصرالله على مجد المقاومة مجد التواضع لحين طويل كان خلاله، أو بدا، متحرراً من التحزبات الضيقة، مذهبية كانت أو سياسية.
بيد أن ذلك المشهد نالته تشوهات كثيرة منذ غيّر حزب الله أولوياته وخطابه ومنطلقاته. وذلك تغيّرٌ أفقد حزب الله الكثير من رصيده في لبنان وخارج لبنان.
فحين يعد السيد نصرالله بنصر ضد إسرائيل لن يجد إلا الدعم والتعاطف والتعاضد. لكنه حين يتوعد نصف اللبنانيين على الأقل بالنصر عليهم فإنه يفتح الأبواب على هواجس مشروعة حول أهداف هذا النصر وتعاريفه.
نصرالله يقول الشيء وضده. ينشد الحوار ويتهم محاوريه المفترضين بالعمالة والخيانة. يؤكد أن لا حرب أهلية قادمة لتخرّب لبنان، لكنه يعطي محازبيه كل أسباب كره شركائهم في الوطن والحق في الانتقام منهم. فإذا كان رئيس الوزراء اللبناني عميلاً، وإذا كانت قوى 14 آذار "قتلة"، فأي حصانة يُبقي حزب الله لهؤلاء ضد الانتقام؟ أليس في التخوين هدر لدم المخوّنين؟
وإذا كانت الحكومة اللبنانية حكومة "فيلتمان"، السفير الأميركي في بيروت، فلماذا شارك وزراء حزب الله فيها ولم يغادروها إلا حين أقرت مشروع قانون المحكمة الدولية التي ستقاضي المتهمين بقتل رفيق الحريري؟
أسئلة كثيرة لم يقدم حزب الله إجابات عنها. ما قدّمه السيد حسن نصرالله في خطابه الخميس الماضي كان سيلاً من الاتهامات غير المعززة بأدلة والتهديدات التي لا تبني وطناً ولا تحصنه ضد الانحدار نحو حرب أهلية ستكون نتائجها هزيمة للبنان ولكل اللبنانيين.
لا شيء يفسر اللغة التخوينية الاستقوائية لحزب الله إلا الولاءات الإقليمية. ولا يمكن فهم موقف الأمين العام لحزب الله إلا إذا رُبط بتطورات ومواقف دول تريد أن تُبقي لبنان ساحة مفتوحة لا وطناً آمناً.
فقوى الأكثرية التي يخوّنها نصرالله قدّمت لحزب الله كل ما تستطيع من تنازلات. وتحالف 14 آذار رفض أن يقدّم حزب الله لقمة سائغة للمجتمع الدولي حين وقف ضد اعتباره ميليشيا كما نص قرار مجلس الأمن الدولي 1559. وهذه القوى وظفت كل ثقلها لاستصدار القرار 1701 بصيغة تحقق الحد الأعلى الممكن في ظل الظروف التي صدر فيها. قالت الحكومة إن موضوع سلاح حزب الله مؤجل. وأبقت باب الحوار مفتوحاً للخروج من الأزمة على أسس تحمي لبنان وأهل لبنان. وأعلنت أن لبنان سيكون آخر دولة توقع اتفاق سلام مع إسرائيل وبعد استعادة جميع الأراضي اللبنانية المحتلة.
أما المحكمة الدولية التي تطالب بها الحكومة اللبنانية فهي حق لكل اللبنانيين. ولا يحق لحزب الله أن يكون أداة للنظام السوري الذي لا يريد لهذه المحكمة أن ترى النور. ولا يجوز أن يكون حزب الله أيضاً الباب الذي توسع من خلاله إيران هيمنتها على المنطقة. فلتهزم إيران أميركا في طهران إن شاءت. أما أن تحول دون أهل لبنان وحقهم في الأمن والاستقرار والتوافق الوطني من أجل الخروج من أزمة ملفها النووي فذلك أيضاً أمر لا يمكن للبنان وللعرب أن يقبلوه.
لا منطق يبرر لحزب الله أن يرفع صور قادة إيران في مدن لبنان وقراه ويقبل دعم طهران المالي خارج إطار مؤسسات الدولة في الوقت الذي ينتقص فيه من وطنية العرب وحقهم في الوقوف إلى جانب الشرعية اللبنانية.
ذلك أن لا هدف يُرتجى من تغييب الدور العربي عن لبنان سوى إبقائه ساحة للتوسعية الفارسية. والذي يعطي لإيران حق الدخول في كل تفاصيل الحياة اللبنانية لا يحق له أن يستكثر على العرب إعطاء رأي ناصح، على الأقل، حول ما يجري في لبنان.
يقف العرب إلى جانب نصرالله حين تحاربه إسرائيل. لكنهم لا يستطيعون أن يسكتوا على الانقلاب على شرعية لبنان من أجل دفع فواتير لسورية وإيران. فمحاربة إسرائيل شيء، وجعل راهن بلد عربي ومستقبله ورقة تفاوض في يد طهران أو بعثيي دمشق شيء آخر. ولا شيء يبرر لحزب الله أن يستمر في نهج تخوين معارضيه والاستقواء عليهم وافتراض حق احتكار الوطنية وإصدار أحكام التخوين. لا شيء، حتى تاريخه المقاوم، يبرر له أن يجعل مستقبل لبنان رهن أطماع فارس وأحقاد البعث.
اما الكاتب في الغد جميل النمري فقال :
من العراق الى لبنان الى الانتخابات الأخيرة في البحرين، أصبح هناك ما يمكن أن نسمّيه "المسألة الشيعية". المسألة تخصّ "بعض" الدول العربية، وكانت ستبقى قضيّة داخلية محدودة الأهميّة لولا وجود دولة شيعية جارة للعرب، تمثل قوّة إقليمية كبرى في المنطقة، هي إيران. ثمّة قلق مشروع من تعاظم نوع من الانقسام في المنطقة، يتراكب فيه السياسي والطائفي مع الاستقطاب الاقليمي.
ولا يفيد هنا تعليق القضيّة (فقط) على مشجب التدخلات الخارجية. فعلى مدار القرن الفائت لم تتوقف التدخلات الخارجية، ولم يكن هذا النوع من الانقسام يخطر على بال. وقد تجد القضيّة جذورها في التزامن بين فشل حركة التحرر الوطني العربي والمدّ القومي في انجاز مشروع المواطنة الحديثة ودولة القانون والمؤسسات الديمقراطية، مع تحوّل ايران الى دولة دينية.
إن الاحزاب والحركات الوطنية لما بعد الاستقلال انكمشت وتلاشت وأخلت مكانها للانحيازات ذات الطابع الديني والطائفي والعرقي. والانفتاح الديمقراطي المتأخر لم يصنع هذه الانحيازات، بل كشف عنها بعد أن اختمرت طويلا تحت قشرة هشّة لأنظمة تسلطية فشلت في صنع تنمية اقتصادية سياسية اجتماعية، تنقل المجتمعات الى الحداثة.
الانحياز الطائفي الشيعي لا يختلف عن غيره من الانحيازات السائدة، لكن خصوصيته تتصل اليوم، كم قلنا، بوجود دولة إقليمية كبرى وذات طموحات على كتف المشرق العربي، هي ايران التي استثمرت الصلة المذهبية لتربط بنفوذها قوى تسعى إلى الهيمنة ماليا وتنظيميا ودينيا على الوسط الشيعي في غير قطر عربي.
من المفهوم أن الشيعة في أي بلد عربي يكرهون كثيرا تسليط الضوء على هذا الجانب الذي يشكك في ولائهم الوطني، وهم على حق؛ فليس مقبولا ولا جائزا أبدا وضع فئة كاملة من الشعب هكذا خارج الولاء الوطني (على غرار زلّة لسان الرئيس مبارك في لقاء مع محطة العربية)، لكن واقع الحال أن هناك مشكلة، وهي متوقعة في أي ظرف مشابه.
لم يكن تمويل وتسليح ايران لحزب الله في مواجهة اسرائيل يثير مشكلة، ولا تسليح وتمويل قوات شيعية في مواجهة المحتل الأميركي، لكن الأمر ينقلب جوهريا حين يتعلق بالشأن الداخلي، فيصبح قضية اختراق يهدد المصالح والأمن الوطني والقومي. وهناك مخاوف مشروعة الآن لدى السعودية ودول الخليج. وهذه المشكلة تهدد التقدم الديمقراطي ايضا.
لا يمكن دفن الرأس في الرمال، ولا الاكتفاء بتوجيه الاتهامات. هناك قضيّة مواطنة وولاء وطني يجب معالجة جذورها، وهناك تحدّ مع ايران يجب معالجته بإدارة عربية متماسكة.
اما الكاتب اللبناني خير الله خير الله والمقيم في لندن فكتب في نفس الصحيفة يقول :
لا يحتاج رئيس الوزراء اللبناني السيّد فؤاد السنيورة شهادات في الوطنية. الأكيد أنّ آخر ما يحتاجه هو إلى شهادة من الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، الذي أدخل لبنان في دوّامة حرب الصيف الماضي التي لم تستفد منها إلاّ اسرائيل.
ولا يحتاج الرئيس السنيورة اللبناني الصميم والعربي الحقيقي، خصوصاً، إلى شهادة في الوطنية ممن يعمل حالياً على القضاء على البلد في خدمة مخطط إقليمي واضح المعالم يستهدف كلّ ما هو عربي، مخطط وضع نفسه في خدمة كلّ ما يؤدّي إلى شرذمة المنطقة. هل من خدمة تقدّم لإسرائيل، الدولة القائمة على دين، أفضل من إثارة النعرات الطائفيّة والمذهبيّة في الشرق الأوسط.
ربّما تكمن المشكلة الأولى لـ"حزب الله" في أنّه لا يعرف كيف يخسر ولا يعرف كيف يربح، علماً بأنّه: أن تعرف كيف تخسر في السياسة والحرب، أهم بكثير من أن تعرف كيف تربح. وحده من يعرف كيف يخسر يمكن أن يربح يوماً. والدليل على أنّ الحزب لا يعرف كيف يخسر ولا كيف يربح!
في العام 2000، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان، وأقّرت الأمم المتحدة بلسان الأمين العام للمنظّمة الدولية كوفي أنان وعبر مجلس الأمن، بأنها نفّذت القرار الرقم 425 الصادر في آذار- مارس من العام 1978. وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت الدولة اليهودية إلى الانسحاب وما إذا كان ذلك مرتبطاً باستراتيجيّة معيّنة تستهدف الانصراف إلى الشأن الفلسطيني وتركيز الاهتمام عليه في تلك المرحلة بالذات، أم لا، يبقى أن "حزب الله" سعى إلى توظيف انتصاره في غير مصلحة لبنان بإصراره على إيجاد أسباب واهية لعدم تمكين الجيش اللبناني من الوصول إلى "الخط الأزرق" تنفيذاً للرغبات السورية من جهة والإصرار الإيراني على ابقاء لبنان ينزف عن طريق جبهة الجنوب المفتوحة من جهة أخرى. و"الخط الأزرق" هو بالنسبة إلى الأمم المتحدة الخط الذي كان الاسرائيليون خلفه قبل إقامة "حزام أمني" في جنوب لبنان.
كان مطلوباً بكلّ وضوح ابقاء لبنان بلد المواجهة الوحيد مع إسرائيل، كي يتمكّن النظام السوري من القول أن هناك ربطاً بين جنوب لبنان والجولان المحتل، الجولان الذي لم تطلق منه رصاصة منذ العام 1974. كان على لبنان تحمّل كل الأعباء خدمة للمحور الإيراني- السوري الذي صار أكثر من تحالف عضوي بين نظامين، بعدما استطاعت إيران بفضل "حزب الله" ملء الفراغ الأمني الذي خلّفه الانسحاب العسكري السوري من الأراضي اللبنانيّة في نيسان- أبريل من العام 2005. حصل ذلك، بعدما نزل سنّة لبنان إلى الشارع أثر استشهاد رفيق الحريري.
لم يحسن "حزب الله" الانتصار، بعد تحرير الجنوب في العام 2000، ولم يُجد التعاطي مع حرب عام 2006، حين وفّر كلّ المبرّرات لاسرائيل، كي تهاجم لبنان وتدمر ما تيسّر لها من بنيته التحتية وتهجّر عشرات الآلاف من بيوتهم وقراهم وبلداتهم. حوّل "حزب الله" الخسارة على لبنان. إلى ما قبل أيّام كان الحزب يطالب بالأسرى اللبنانيين الثلاثة، واحدهم يدعى سمير القنطار، فيما هناك أسير آخر يريد البقاء في اسرائيل، في حين أن مصير الثالث ليس معروفاً. وتبيّن في نهاية المطاف، أن "حزب الله" يريد الحيّ البيروتي المعروف بالقنطاري (حيّ راق) ولا يريد القنطار...
ولكن بعيداً عن المزاح وعن القنطار والقنطاري، تبيّن بوضوح أن تداعيات حرب الصيف لا تزال تتفاعل. وبدل أن يتعلّم "حزب الله" شيئاً من نتائج الحرب، إذا به يمارس عملية هروب إلى أمام تتمثّل بالتصعيد ولا شيء غير التصعيد حتى، ولو أدى ذلك إلى فتنة طائفية ومذهبية في البلد. والفتنة الطائفية والمذهبيّة تخدم النظام السوري الذي يرفض العالم الدخول معه في أي مساومة في شأن المحكمة ذات الطابع الدولي في قضية اغتيال الرئيس الحريري، والفتنة تخدم النظام الإيراني الذي يعتبر القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن موجّها ضدّه في المقام الأوّل؟
من أجل عرقلة المحكمة ذات الطابع الدولي، ومن أجل ألاّ تكون هناك حكومة لبنانية تسعى إلى تنفيذ القرار 1701 بما يتلاءم ومصلحة لبنان، يبدو "حزب الله" على استعداد للذهاب بعيداً في التصعيد. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان الحزب فكّر في آلاف العائلات المتضررة من إغلاق قلب بيروت وفي النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتّب على الشحن الطائفي.