كثرت في الآونة الأخيرة دعاوى الإصلاح , حتى أن اليهود والأميركان والأوروبيين يطالبون زعماء العرب بالإصلاح ، والزعماء والرؤساء يطالبون حكوماتهم بالإصلاح ، والحكومات تُعد برامج وخطط ووزارات خاصة للإصلاح " تنمية إدارية ، تنمية سياسية ، تنمية اجتماعية ، تنمية القطاع العام ، تنمية اقتصادية " والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني تطالب الزعماء والحكومات بالإصلاح ، حتى العملاء الذين جاءوا على دبابات الاحتلال الأميركاني يدعون إلى الإصلاح , والشعوب تطالب الجميع بالإصلاح , والكل يدعوا الكل إلى الإصلاح , حتى اختلط الحابل بالنابل , ولم نعد نعرف أين الإصلاح الحقيقي من دعاوى الإصلاح المزيف ، و ما هو الإصلاح المطلوب أو المنشود من هذه الدعاوى التي أصبحت تصم الآذان , وتملأ الأرض والسماء ضجيجا وجعجعة بصيحات الإصلاح , ونحن نغرق جميعاً في بحار الفساد والإفساد ، وأصبح يختلط على كثير من الناس من هو المصلح من المفسد (( والله يعلم المصلح من المفسد )) [ البقرة 220 ] ، وتكرار الدعوة إلى الإصلاح عند كل مفصل تاريخي , تعني أن هناك فساداً كبيراً ومفسدون كثير, وكلما ذهب مفسدون حل محلهم آخرون , وهل فاقد الشيء يعطيه ، نعم الله جلت قدرته يعلم المصلح من المفسد وحدد لنا في كتابه الكريم ودستور الأمة المسلمة (( ان الله لا يصلح عمل المفسدين )) [ يونس 81 ].. والمفسد ولو لبس مليون ثوب إصلاح يبقى كل عمله فاسد , ولا يُصلح من الأمر شيئا , لأن عمله مبني أساساً على المصلحة الذاتيه , والدجل , والنفاق , والفجور, والخداع.. إذاً كيف نميز المفسد من المصلح وما هو الميزان , والمعيار , والمقياس الذي نحدد به المصلح من المفسد ، هو كتاب الله تبارك وتعالى :
(( فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) [ الأنعام 48 ] .
(( فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) [ الأعراف 35 ] .
(( إخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين )) [الاعراف 142]
(( والذين يمسّكون بالكتاب وأقاموا الصلاه إنا لانضيع أجر المصلحين )) [الأعراف 170]
الأساس في الإصلاح أن يكون مبنياً على( الإيمان والتقوى والصلاح والتمسّك بالكتاب ) فأي إصلاح ليس على أساس من هذه الأمور هو فساد ولو كان ظاهره الإصلاح ، والإيمان دائما يقترن بالعمل الصالح ، ولقد ورد الصلاح ومشتقاته في القرآن الكريم أكثر من 180 مره منها 82 مرة (( الذين آمنوا وعملوا الصالحات )).. وكلمة الإصلاح 40 مره , والمشكلة الكبيرة لدى كثير ممن يدعي الإصلاح هي قلب المفاهيم , والقيم , والمعاني , والموازين , بحيث يزينون للناس الفساد بأنه إصلاح.. فالعري والجنس والشذوذ تحرر وحرية شخصية ، والربا اقتصاد حر وتنمية اقتصادية ، والتطبيع والإستسلام والتبعية لأعداء الأمة واقعية ومصالح وطنية ، وضـرب المواطنين وكبت الحريات ومنع الإجتماعات والتضييق على أرزاق الخلق هيبة دولة ومصالح أمنية ، ومحاربة الدين والصالحين والتضييق عليهم تطور وتقدم ومجاراة للعصر ، والترخيص للخمر ]أم الخبائث[ والدخان والمخدرات والترويج لها مظاهر تحضر ورقي ، وكل دعوى إصلاح من المصلحين الحقيقيين هي خراب وفساد ولو كان الذي ينادون به تحكيم وتطبيق كتاب الله وشرعه ، وصدق الله في هؤلاء المفسدين على مر الدهور وكر العصور (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )) [ البقرة 11-12] .
وقد ربطت الملائكه الفساد بوجود العنصر البشري على الارض ((وإذ قال ربك للملائكه إني جاعل في الأرض خليفه قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ...)) ]البقره 30[
ثم إن آدم عليه السلام قام وذريته بإصلاح الأرض , ثم حصل الفساد مع الزمن (( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها )) ]الأعراف 56[
وهكذا وُصم الأنبياء والمصلحون على مر الزمان من قبل الظلمة والطغاة بأنهم مفسدون (( إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين )) [ القصص 19 ]..((إني أخاف أن يبدل دينكم او ان يظهر في الأرض الفساد )) [ غافر 26 ] , هكذا قال فرعون لموسى وهكذا يقول فرعون كل زمان لأمثال موسى .
وأخيراً أيها الإخوة فإن المفسدين والظلمة والطغاة هم إلى زوال سينبذهم المجتمع ويثأر منهم الصالحون ، وسيذهبون إلى مزبلة التاريخ ، وإن المستقبل والبشرى هو فقط للمصلحين المؤمنين (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون )) [ النور55 ] .
وإن الحياة الطيبة الآمنة المطمئنة الهادئة الكريمة الشريفة لا تكون إلا للمؤمنين الصالحين (( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )) [ النحل 97 ] .
هذا ومعلوم أن هناك فرق بين الصالح والمصلح , الصالح يكون صلاحه لنفسه , والمصلح يكون صلاحه لنفسه وللمجتمع , المصلح إنسان لايعرف السلبيه بل إنسان إيجابي فاعل منتج مؤثر , والإصلاح وظيفه ساميه ومهمه عظيمه وعمل شريف , وقد بين الله سبحانه أنه ما دام في الأمة أناس مصلحون فإن هذه الأمة لن يقع بها عقاب الله ولا بلاءه العظيم (( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )) [ هود 117 ] ، بينما بين الرسول صلى الله عليه وسلم , أن العقاب يقع على الأمة التي فيها مجرد صالحون ولا يوجد مصلحون , وقال الله في الحديث القدسي للملائكه الذين أرسلهم ليوقعوا العذاب بقريه, وقالت الملائكه إن فيها عبدك الصالح فلان فقال الله به فابدأوا لان وجهه لم يتمعر لله مره أي لم يغضب عند إنتهاك حرمات الله .
ونحن نذكر ما نذكر نتمثل قول النبي شعيب عليه السلام ((إن أريد إلا الأصلاح ما إستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب )) ]هود 88[
* الكاتب احد قيادات جماعة الاخوان المسلمين في الاردن