الفقر ليس عيبا و نعمة لا تقدر بثمن, فالفقر يصنع المعجزات, ويفجر الطاقات ,ويبعدك عن الملذات, ويقربك من الطاعات.
البورصات العالمية لا تهمني, الأسهم في ارتفاع أو في انخفاض لا تساهم في رفع ضغط الدم عندي, ارتفاع أسعار البنزين لا تغلق شراييني, اسعار السيارات في انخفاض أو في ارتفاع لن تغير شيء من تصميمي, أسعار الشقق أرقامها, لا تحتملها جيوبي الممزقة ولا تلهب قولوني,وعروض الفنادق وشواطئها الجميلة, (رايحة تخليني أبيع بنطلوني).....
شفرات الحلاقة الجديدة لا تغريني فشفراتي القديمة ما زالت تعمل. وملابسي القديمة ما زالت استثنائية, ومتاحف لندن تتفاوض معي لشرائها وعرضها بالمتاحف الملكية, وحذائي الممزق يتم شحنه إلى هوليوود لتصوير أفلامها السينمائية الهزلية, وفقراء العالم الثالث سيرفعون علي قضية, وبيجامتي القديمة على ما أظن ما زالت عجمية.وساعتي الجوفيال القديمة بس بدها بطارية.وجلدة حنفية.
وهذه هي ممتلكاتي الشخصية ونسيت أحكيلكم انه ما معي هوية.
ما زلت سعيدا بفقري هذا, الذي يجعل الناس غير راغبة في زيارتي اليومية, وعدم إزعاجي بالطلبات الليلية وطلب مبالغ مالية. أو وساطة في حل مشكلة ما, أو جاهات عشائرية .
وبعيدا عن الحسد, وبعيدا عن المناقشات الحادة من تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية, ولا يأخذ برأيي ولا أحد يحب حتى أن يقبلني, أو حتى يطيل السلام علي, الشيء الوحيد الذي أسال عنه هو عندما يحتاج شخص لدفن أحد الموتى, خوفا من اتساخ بدلاتهم الايطالية يطرقون علي الباب فقط عندما يحتاج أحدهم لتبرعي بدماء نقية خالية من الكلسترولية والسكرية والضغطية.
لم أعرف بان الفقر له رائحة كريهة إلى هذا الحد ولكن, تعلمت كيف أكتب من شدة فقري, وتعلمت كيف أحب أهلي من فقري تعلمت النوم مبكرا من فقري, وتعلمت كيف أعلم أولادي من فقري.
تعلمت الصيام ولا أشعر بالجوع كغيري, أحب الصلاة ولا أفكر في الموت ولا في حجم قبري, لا أخاف ممن سيرث فقري من بعدي,أراقب بورصة الفلافل وبورصة البندورة وهذا أكبر همي وهذا هو قدري. ولست من أكلة اللحوم ....المشوية.
لا أحب الفواكه المستوردة وأخاف احتراق أصابعي من سعرها وأخاف أكثر من طردي. وأخاف من صاحب (البقالة) (واللحام) وطلب الديون المترتبة ومن تجريدي بنطلوني وقميصي يا لفقري. فول وعدس أطيب أكلاتي الشعبية والتقشفية.
وأتجنب مرافقة أبنائي معي لأن عيونهم كعيون بقية الأطفال تحب وتشتهي.أخاف عليهم التسول من بعدي.
لا أحد يفتح لي أيا من ألأبواب المغلقة ويعتقدون بأني متسول جديد يريد الدخول, فهل العين السحرية للأبواب الخشبية تفتح من بعدي. حتى الأمراض تخاف مني ومن فقري. وحتى مستشفى الأمراض العقلية تخاف من عقلي .فالفقراء لا يشعرون بالمرض ولا بالجوع, لان قسوة الحياة الجنونية قد أذابت هذه السيمفونية, وحتى الشياطين لا تدخل بيتي خوفا من صبري. أحمد الله بأني لم أتعرض لأي سرقة, لان القران الكريم هو أهلي وأية الكرسي الموجودة على الحائط الميراث الوحيد من بعدي.ولو حصل, لكنت سعيدا فمن الممكن أن يتبرع لي الحرامي بثلاجة أو بتلفاز أو حتى براديو صغير لأسمع برنامج بصراحة مع الوكيل.بسمع الصوت من بعيد , من شرفة منزلي (المهرهرة) مشان الله بدي راديو حابب أسمع أغاني وطنية وحالة الجو, وإعلان عن مساعدات نقدية, وصوت هالمذيع وضحكته الملائكية , وطلبه إخراج المسوؤلين من اجتماعاتهم اليومية لحل المشاكل المستعصية, وأخر زياراتهم الميدانية ,وجرائم الشرف الشبه يوميه, والحرب الدموية,وأخبار الأزمات المالية,وأخر محاولة انتحار من دوار الداخلية.ونشرة الأخبار المحلية. واحد يناولني ميه.
على أي حال حاسة السمع ما زالت جيدة وبإمكاني أسمع عن بعد لغاية ما أشتري هالملعون (الراديو) طبعا , طبعا يوم الجمعة بكون على أعصابي لأنه جريدة ألإعلانات الأسبوعية بتسم البدن وصور الوجبات بترفع ضغط الدم عندي ولساني بغافلني ويلعق ورقة الجريدة وبدون إذني ,أقذف بها سريعا لبيت العم أبو محمد الميسور الحال خوفا من أولادي بأن يروها من بعدي, هذه الصور الغير مرغوب فيها,سيصبح وجهي مثل حبة الليمون أخر الموسم.
أو كالقرد اللي ماكل حصرم, لو حتى فكروا السؤال عن اسمها الغربي ,لا يوجد لها ترجمة في قاموس الفقراء وهذا كل ما عندي. لا وألف لا,
للوجبات الجاهزة في حال سؤال أولادي عن هذه الأطعمة ,أجوبتي
(كلوسترول,لا يغسلون أيديهم ,ما فيها بركة ) وبداخلي أقول,,,,
(أي بشرفي رائحتها لذيذة وشكلها أحلى بس والله غالية على جيبتي أي يا جماعة الخير مش زابطة معي الله يخليكم ).
وفي ليلة من ليالي الصيف الحارة الله يسامحني أكلت سندويشة
فلافل وما بعرف شو صابني (حلمت حلم خير اللهم اجعله خير)
حلمت بأني من الطبقة المخملية, ولا أحمل من الشهادات إلا الثانوية,وبأني أمتلك سيارة (مرسيدس) خرافية, ومنزلي في عمان الغربية, لا يسمح بدخوله إلا للطبقة المخملية ,و بموعد مسبق لا يوجد متسع من الوقت لسماع الشكاوي اليومية, منزلي مليء بالأشجار الصنوبرية , وخادمه فلبينية صاحبة سيقان مخروطية,وسائق مجهول الجنسية, هروبا من المسائلات الضريبية, وثلاجتي مليئة بالأطعمة الشرقية والغربية وباللحوم والأسماك البحرية, وفاكهة مستوردة من بلدان اسيوية, حتى أنني لا أعرف بعضها كيف يؤكل ,لا أنام كثيرا أو حتى لا أنام أصلا فمؤشر (داو جونز) يقلق منامي وطلبات الوظائف تملئ قاصتي الحديدية. وأقاربي (هلكوني مناسف) وأصبحت أحمل من الدواء سبعة أنواع ,,للشرايين و الدهنيات وضغط الدم وخصوصا القولون العصبي , يأخذون برأيي بكل المواضيع التي أفهم والتي لا أفهم بها. وصفوني بأني أروع من (دكتور فيل) الله يسترها معانا,بمعالجة جميع القضايا (عطوة أبو فلان اللي دعس ابن فلان)(واللي طخ ابن فلان واللي بسوق بدون رخصة واللي سرق غنمة أبو فلان واللي طلق واللي آجاله ولد واللي مش راضية زوجته تجيبله ولاد,واللي سرق البيض من تحت جاجة أبو فلان وعزاء أبو فلان اللي كان يا ما كان.
لا أتذوق طعام الغذاء في المنزل ونادرا ما نجتمع على سفرة واحدة إلا لطلب النقود والسفر خارج البلد بصدق لا أعرف أولادي بأي مرحلة دراسية, ملابسي كانت من أروع الماركات العالمية, وعطوري كانت هدايا قد تلقيتها من مضيفات الخطوط التايلندية.
وأسمي محفور على المقعد الخلفي لكابتن الطائرة, ويسمح لي بتدخين سيجارتي الكوبية في قمرة قيادته الالكترونية , والمشروبات الروحية التي تقدم لي من أشهر الماركات العالمية , والأطعمة البحرية النادرة التي تصطاد على أيدي نساء برازيلية, وسيجار يلف على أفخاذ أجمل نساء كوبية,ونبيذ يعصر تحت أرجل أجمل نساء فرنسية ,ومياه غازية من ينابيع الجبال الثلجية, وسجاده عجمية تحت حذائي المصنوع من جلود الأفاعي الايطالية,
وعند عودتي ,عدد الأشخاص المستقبلين يفوق عدد النساء على الشواطئ اليونانية, وعدد (العزائم المنسفية) أكثر من عدد أطفال الشوارع في القارة الإفريقية ,والطلبات لأدوية الضعف الجنسي والدخان المهرب وزجاجات الويسكي (البلو ليبلية) أكثر من عدد البشر في شبه القارة الهندية. وطلبات الوظائف أكثر من عدد الأزهار الهولندية. وعدد المؤازرين لانتخاباتي البرلمانية يفوق عدد الأمراض الجنسية,ورقم موبايلي يبدأ بالأرقام السكسية قبل وضع رقم الخدمة الهاتفية,رقم 6 له معزة غير عادية ولا إرادية .
لا أعرف كم يوجد في حساباتي البنكية, ولا عدد الأوراق المتبقية من دفتر الشيكات ولا حتى أنظر (للقرمية) ولا عيد ميلاد أولادي ولا مقاس رجل زوجتي ولا عدد صديقاتي ولا عدد سهراتي الخرافية, فاسمي يتصدر المجلات, والجريدة الرسمية,واللقاءات والندوات على المحطات الفضائية,,,,,وصوري على (التيشيرتات )
الرياضية بالدوريات ألاسبانية , واسمي ينقش على أثمن الساعات السويسرية........
وفجأة وبدون سابق إنذار توقظني زوجتي الحبيبة من النوم لتقول لي (الجابي بدو يقطع الكهرباء قوم شوفه) قمت من نومي مثل اللي ضربته صاعقه كهربائية,,,,, واردد بصوت عالي,,,,,
يلعن أبو الفقر .... ما أحلاه ولكن.