امسك اليوم بقلمي ليكتب بمداد الحق والحرص على الوطن بعد ان فقدت كاميراتي التي كتبت بها على مدى اربعة عقود ,والتي افتخر انها أهلتني لأكون اول مخرج تلفزيوني اردني ينال جائزة الحسين للتفوق من الدرجة الاولى عام 1995 وبعد عقد من ذلك صدرت الارادة الملكية السامية من جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم بالموافقة على قرار مجلس الوزراء بمنحي جائزة الدولة التقديرية عن مجمل اعمالي وهذا كنز يحلم ان يناله كل من يعمل في هذا المجال .

انا انتمي لجيل الرواد في الفن والثقافة والاعلام الاردني وكنت مع رعيل يعشق ما يفعل ويحلم بالمستقبل منذ بداياتي وحتى الان، وكنت محظوظا ان ارى الاشياء تولد امامي وقد أُحسن صنعها تخطيطا وانشاءً وادارة لتكون كسنبلة تنبت سبع سنابل، جامعة ،مسرحا ،اذاعة ،تلفزيونا ومنابر شعبية ،وكنا على قلة عددنا مثل الاغنية الاردنية التي تقول
( برجاس يا قاظي الهوى برجاس نحنا قلال ورافعين الراس )

لم نقصر في حق وطننا وامتنا مستلهمين في كل فعل فعلناه وابداع انجزناه، تاريخنا وثقافتنا وتشجيع شعبنا والسياسين الشرفاء وكنا معهم في نفس الخندق كل يصيغ الحياة بما يتقن من عمل، ما اغرانا مال ولا جاه سوى شهادة التاريخ لنا وما فرطنا في شئ. وشجعنا على المضي قدما شعبنا الاردني الذي كان يزهو بورق شجره الاخضر لا بورق رصيده الاخضر وبغض النظر عن المصدر.

اما وقد اراد الله لنا ان نكتهل ونبتعد عن القدرة التامة على الفعل فاصبحنا اكثر في صف المراقبين لما يحدث وبصفتنا هذه وجب علينا القول وان لانكتم شهادة ولذلك فانني اكاد اجزم ان ما حدث في مجالات الثقافة والفنون والاعلام لم يكن يتوقع حتى في اسوأ الكوابيس ، فان الانهيارات التي حدثت للتلفزيون الاردني فانزلته من القمة التي تربع عليها زمنا طويلا الى القاع، لا يمكن ان تجد لها مبررا ولا يمكن ان يعجز العقل الاردني عن ايجاد حلول لانقاذه وكذلك ما حدث للشركة الاردنية للانتاج التلفزيوني والسينمائي والاذاعي وبيعها بثمن بخس دراهم معدودة، وبأمر ُبيّت بليل، امر يودي بكل صاحب عقل ان يفقده مع ان امر حل مشكلتها كان في منتهى البساطة وقس على ذلك امور المسرح والمهرجانات واخيرا مشكلة تلفزيون atv الامر الذي يحار المرء فيه وفي تفسيره، فقد كان ما رأيناه فيه من حسن الاعداد والتخطيط في كافة المجالات الفنية والهندسية والمحتوى المتقدم على كل ما يمكن ان يقدم على شاشة اردنية او عربيه وليس هذا كلامي فقط، انما استذكر ما كتبه السيد نقيب الصحفيين عبد الوهاب زغيلات والسيد طاهر العدوان والسيد محمد حسن التل وكلهم رؤساء تحرير نكن لهم وللصحف التي يرئسون تحريرها كل الاحترام وقد كتبوه بخط ايديهم الحرة في سجل المحطة الذهبي مع غيرهم وهم كُثر .

ولكن ما حدث ان صاعقة هبت فجأة عليها فقلبت عاليها سافلها وتحطمت الامال وشرّدت كفاآتها واغلقت ابوابها فصارت لا هي ميتة لتنال كرامة الدفن ولاحيّة تعمل لترزق

انني وكثير مثلي من ابناء جيلي يعتصرنا الالم ويقهرنا الهم والحزن ولا امل لنا بمن يعود لنا بقميص يوسف ،نسترد به بصرنا من جديد فنرى للاردن والعالم بما يليق وبما تربينا عليه في جامعاتنا ومؤسسات الاعلام والثقافة والفنون التي علمتنا واشعلتنا فكنا بقع الضوء في ما انجزناه، يزهو بنا شعبنا كما يزهو بقيادته الهاشمية، التي كنا ثمرة ابداعاتها حين انشأت كل ما كنا نحتاج اليه من مؤسسات لتنطلق منها طاقاتنا الابداعية.

إن ما يحدث مأساة كبيرة وهي اغتيال مؤسسة واغتيال شخصية و اغتيال حلم ابناء وطن شبابا يستعدون لحمل الراية وكبارا شارفت شمس حياتهم على المغيب.
المخرج صلاح ابو هنّود salah443@yahoo.com