عمون - فوائد من سورة ص
هناك أربعة موضوعات رئيسية تطرقت لها سورة ص، وفي كل موضوع من هذه الموضوعات نجد العديد من الفوائد والثمار التي نتفيأ ظلالها ونجني منها العبر والقيم:

التذكير بمصير الأمم السابقة للاتّعاظ
تنقل بداية السورة متدبّرها إلى تمثيلٍ واقعي لحال الكافرين زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كيف يسيرون متعجّبين أن جاءهم رسول منهم يدعوهم لعبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، وذلك لأنهم لم يسمعوا بهذه الدعوة من آبائهم وأجدادهم، ويتعجبون لم قد تكون الرسالة لمحمد -صلى الله عليه وسلم-.

وما أشبه الأمس باليوم، وما أشبه دعوات الكافرين في كل زمان ومكان، هذا ما وجدنا عليه آباءنا وهذا ما نريد العيش به، وبعد هذه الآيات يذكّرهم الله -تعالى- بما أهلك به الأقوام السابقة لعلهم يتفكروا في أنفسهم فينقذونها من عذاب الله.

ذكر قصص الأنبياء تسلية للنبي والمسلمين
إنّ في قصص الأنبياء دروس وعبر للمؤمنين، وتسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد ورد في السورة العديد من قصص الأنبياء، وهي على الترتيب الآتي:

قصتا داود وسليمان عليهما السلام
وما أغدق الله عليهما من النبوة والملك، ومن تسخير الجبال والطير، وتسخير الجن والريح، وخزائن الأرض والسلطان والمتاع، وهما -مع هذا كله- بشر من البشر يدركهما ضعف البشر وعجزهم، فتتداركهما رحمة الله ورعايته، وتسدّ ضعفهما وعجزهما، وتسدّد خطاهما في الطريق إلى الله، وقد جاء مع قصتي داود وسليمان -عليهما السلام- توجيه للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالصبر.

قصة أيوب -عليه السلام-
وقد جاءت تُصوّر ابتلاء الله للمخلصين من عباده بالضراء، وقد ضرب النبي أيوب أروع المثل في الصبر الرفيع، وصوّرت الآيات حسن العاقبة، وكيف تداركت رحمة الله -تعالى- أيوب عليه السلام.

المقابلة بين نعيم المتقين وعذاب الكافرين
تنقل السورة متدبّرها إلى مشاهد من يوم القيامة وكأنّها تُقابل بين نعيم المتقين وعذاب الكافرين ليختار طريقه وسبيله، وتوضيح ذلك فيما يأتي:

قال -تعالى-: (هَـذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ* جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ* مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ* وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ* هَـذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ* إِنَّ هَـذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ)
يقول القطان في تيسير التفسير: أعطى الله المتقين حسن المرجع إليه، فلهم جناتِ عدْنٍ مفتوحة أبوابها إكراما لهم، ويصور أحوالهم يجلسون فيها متكئين على الأرائك مسرورين، يتمتعون فيها بأطيب أنواع الفواكه، وخير الشراب، وعندهم أزواجهم من الحور العِين متساويات في العمرُ، وهو بعض عطاء الله الذي لا ينفد ولا ينتهي.

قال -تعالى-: (هَـذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآب* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ* هَـذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ* وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ* هَـذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ* قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ* قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ* وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَار* أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ* إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ).
يقول الرازي في مفاتح الغيب: لمّا وصف الله ثواب المتقين وصف بعده عقاب الكافرين؛ ليكون الوعيد مقابلًا للوعد، والعقاب مقابلًا للثواب، أما مرجعهم فشرّ مرجع لأنهم إلى جهنم، فليذوقوا فيها الحميم شديد الحرارة والغساق صديد أهل النار، ثم ذكر تخاصم أهل النار وكيف يتبرأ الرئيس من التابع والمرؤوس ممن تبعه، وصوّر الله حالهم وهم يبحثون عن فقراء المسلمين واصفينهم بالأشرار لأنهم ضعفاء لا يأبه لهم أحد فهكذا كانوا يظنون .

قصة آدم وسجود الملائكة له
وردت قصة آدم -عليه السلام- في العديد من سور القرآن، وجاء في ختام هذه السورة تحذير للإنسان بأن هناك مَن يتربص به ليبعده عن طريق الجنة، وهو الشيطان، وبيّن في ختام الآيات أنّ الذي منع إبليس من السجود لم يكن سوى الكبر والغرور، وهو الذي منع الكافرين من التصديق بالنبي وأغراهم بأنهم أحق منه -صلى الله عليه وسلم- بأن يتنزل عليهم الذكر من الله.

التعريف بسورة ص
لكل سورة من سور القرآن تعريف مجمل من حيث مكان النزول وعدد الآيات والقضايا والموضوعات التي تناولتها، وفيما يأتي تعريف موجز بسورة ص:

سورة ص سورة مكية، عدد آياتها 88، وسمّيت بهذا الحرف لابتدائها به.
شملت العديد من القضايا مثل: التوحيد، والوحي، والحساب في الآخرة .
يربط سياق السورة بين أربعة موضوعات رئيسية، وهي: شبهات الكافرين، وقصص الأنبياء، والمقابلة بين نعيم المتقين وعذاب الكافرين، ثم قصة خلق آدم -عليه السلام-، وسجود الملائكة له.