واقع الدراما الأردنية: رسالة غائبة أم إرث يتلاشى؟
28-01-2025 10:48 PM
*ضمن حوارات ملتقى النخبة
عمون - الدراما ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل هي نافذة تعكس مكنونات الشعوب وأحلامها وتحدياتها وذاكرة الزمان والمكان، وهي سلاح ثقافي ناعم، قادر على التأثير بأعماق المجتمعات، وقد كانت الدراما الأردنية في عقود مضت، شاهداً على أصالة المجتمع الأردني، وأداة لنقل رسائل ذات قيمة إنسانية ووطنية.
إلا أن بريقها خفت في السنوات الأخيرة، وأصبحت تعاني من انحسار واضح يثير القلق، فهل انحدرت بفعل ضعف الإنتاج؟، أم بسبب قصور النصوص؟، أم أنها ضحية سياسات غائبة أو قرارات مقيدة، ام انها لا تخضع لأدنى مستويات الرعاية والدعم من الدولة؟، وما دور التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية في تحويل الدراما الأردنية من قوة ثقافية مؤثرة كما كانت، إلى فن يترنح بين التقليد والجمود؟.
وفي ظل هذه التحديات.. تُطرح تساؤلات جوهرية تحتاج إلى نقاش عميق، لمعرفة مواطن الخلل، وآفاق الحل. هذه التساؤلات والمحاور تشكل دعوة مفتوحة للحوار في ملتقى النخبة، لاستكشاف الرؤى واستنهاض الهمم لإعادة صياغة واقع الدراما الأردنية بما يليق بمكانتها ورسالتها.
- كيف يمكن للدراما الأردنية أن تستعيد مكانتها؟
- ما هو دور نقابة الفنانين في حماية هذا الفن وتطويره؟
- هل يملك القطاع الخاص المقدرة للنهوض بالدراما واستمراريتها، باعتبارها استثماراً استراتيجياً وصناعة كباقي الصناعات ؟
- ما دور القوانين والتعليمات الناظمة لهذا الحقل، هل حفزت الإبداع وفتحت آفاقه أم كبّلته وجعلته في سبات؟
- اين هي الجهات المعنية في اكتشاف ورعاية الطاقات الشابة وايجاد فرص عمل لها ؟
- هل تمكنت المرأة الأردنية من خلال الدراما من تمثيل واقعها وإيصال رسالتها؟
- هل يمكن أن تتجاوز الدراما النمط التقليدي المحصور في البادية والريف، إلى تناول قضايا أكثر تنوعاً وعمقاً تعكس التطور المجتمعي؟
- وهل تدرك الجهات المعنية أن الدراما سلاح ناعم، قد يفوق البندقية قوة في توجيه الشعوب ومواجهة مشاريع الغزو الثقافي؟
المهندس خالد خليفات.. كانت وجهة نظره كما يلي..
من يتابع واقع الدراما الأردنية حاليا وبين ما كانت عليه قبل عقود ، يشعر بالألم والرثاء لواقع الحال .
ولعل الكثيرين ممن عاصروا الفترة الذهبية للدراما الأردنية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، يتذكروا جيدا كيف كانت الأعمال الدرامية الأردنية تستقطب ليس فقط الجمهور الأردني بل والجمهور العربي وخصوصا الخليجي منه . ويبدو أن السبب الرئيسي في ذلك الانتشار والنجاح كان بسبب تحديد البوصلة والاتجاه لطبيعية تلك الأعمال التي جسدت الواقع المعاش والبيئة المحلية للمجتمع الأردني وخصوصا مجتمع البداوة بكل ما فيه من تفصيلات( الجود والكرم والغزو والعادات والتقاليد ) ، ثم كانت تلك الانعطافة التوثيقية المميزة لبعض المفاصل التاريخية للدولة الأردنية سواء كانت تخص أدوار العز والكرامةللقوات المسلحة الأردنية في معارك فلسطين الحبيبة ( وجة الزمان مثالا ) ، أو تلك المتعلقة بتغير السلوكيات الفردية للبعض إثر الطفرة التي احدثتها موجة إرتفاع أسعار الأراضي في ثمانينيات القرن الماضي ( أم الكروم مثالا ) ، وكلا العملين كانا من إخراج المرحوم المخرج سعود الفياض الخليفات.
الأعمال الدرامية بحاجة إلى رعاية رسمية وشعبية، تبدأ بالعناية والرعاية للممثل ، وتوفير النصوص الجادة المعبرة عن واقع الحياة وبما يرسخ مفاهيم الفخر والانتماء للوطن والنقد الصادق البناء ، ثم العمل على تأمين التمويل اللازم لإنتاج العمل ، والأهم من كل ذلك توفير كافة مستلزمات وأدوات التسويق داخليا وخارجيا، وفي هذا المقام لا بد من التركيز على الدور المحوري للقطاع الخاص في هذا المجال.
وأخيرا أدعو لمن إنتقل إلى جوار ربه من الفنانين الأردنيين بالرحمة والمغفرة، وادعو لمن لا زال بيننا بتمام الصحة والعافية وطول العمر وأخص بالذكر الفنان المبدع والملتزم والمتألق موسى حجازين.
الدكتور حسين البناء.. شرح وجهة نظره كما يلي..
الدراما الأردنية، من الريادة إلى الذاكرة!
أذكر بأننا، نحن جيل الستينات والسبعينات، نشأنا على إعلام أردني ريادي على مستوى المنطقة العربية، وكانت الدراما الأردنية بثلاثيتها الإنتاج ذي الطابع البدوي والريفي والمدني، تعكس رؤية واقعية مع تقديم رسالة اجتماعية ناقدة، لقد نشأ جيل بأكمله على إنتاج أردني بحت، ناشيء عن خصوصية الأردن وروايته ورؤيته ومشكلاته.
لم تكن أعمال مثل: ((شمس الأغوار، غريسة، أم الكروم، هبوب الريح، مضافة أبوسرور، حارة أبو عواد، قرية بلا سقوف، العلم نور، الكف والمخرز، الملح الأسود، وجه الزمان ...الخ )) سوى سردية تعكس واقعًا وتبنى وعيًا وطنيًا ضمن إطار اجتماعي أخلاقي وقومي يساهم في تأريخ المراحل وتصوير الواقع.
لقد كانت ستوديوهات الأردن، والتلفزيون الأردني، ومدينة الإنتاج مركزًا وطنيًا يقدم للمشاهد ما هو لائق وواقعي وعميق.
لقد شكّل وعينا الوطني الجماعي ذلك الإنتاج الدرامي العظيم، بينما اليوم تضيع أجيال في مطحنة التواصل الاجتماعي وثقافة التفاهة والتغريب.
فيما كانت مداخلة الدكتور محمد جرار آل خطاب.. ردا على الدكتور حسين البناء..
للأسف دكتورنا بقينا على اطلال السرديات التي ذكرت ولم نستطع مجاراة التطور في الفكر والاسلوب.
فما عادت حارة ابو عواد تحاكي ثقافة جيل الألفين وما عاد العلم نور يمكن تقديمه كنتاج ثقافي لأطفال أصبح الخلوي بمحتوياته من يوجه ذوقهم وفكرهم.
بقينا مكاننا بينما استطاعت الدراما السورية تطوير ادواتها وأساليبها فاستحوذت على المشاهد الأردني.
ما نحتاجه اليوم بناء جديد للدراما الأردنية يحاكي الواقع والتطور ويجذب المشاهد الأردني والعربي برسالته الحقيقية الموافقة للتغيرات في البناء الثقافي والاجتماعي.
ولا أظن أننا قادرين على ذلك في ظل الوضع الحالي خاصة مع التقدم الدرامي التركي والسوري.
العميد المتقاعد الدكتور عديل الشرمان.. كانت مداخلته كما يلي..
أعتقد أن مشكلة الدراما عندنا مرتبطة بالصورة النمطية أو الذهنية، تلك الصورة السلبية لدورها في معالجة قضايا مجتمعية، وفي النظرة السلبية للتمثيل، حيث ما زال البعض يراها عديمة الجدوى، ومجرد مشاهد عبثية، وحكي فاضي، والعاملين فيها مجرد أشخاص عاطلين عن العمل ومهرجين وباحثين عن الشهرة ، وهذه النظرة وهذه الصورة الخاطئة غير الواعية وغير المدركة لأهمية دور الدراما في تنوير المجتمعات وتغيير الاتجاهات أسهمت فيما وصلت اليه الدراما في الوقت الحالي، والمشكلة أن الصورة السلبية امتدت لتشمل المسؤولين في مؤسسات الدولة الرسمية وكثير منهم لا ينظر بجدية للدراما ولا يقيمون وزنا لدورها، وها أثر سلبيا على تقديم الدعم للدراما الأردنية والتي باتت تعيش أزمة التمويل، وضعف التمويل أدى إلى تدني جودة مخرجاتها وخاصة من الناحية الفنية حيث باتت غير قادرة على محاكاة الدراما في المجتمعات التي تنفق أموالا كثيرة عليها.
الدكتوره ميسون تليلان السليّم.. عبرت عن وجهة نظرها تحت عنوان “الدراما الأردنية: من الحفاظ على الهوية إلى إعادة تشكيل الواقع الثقافي”..
في زمن يتسارع فيه التغيير التكنولوجي والاجتماعي، تقف الدراما الأردنية عند مفترق طرق، تتساءل عن قدرتها على مواكبة العصر دون التفريط بجذورها الثقافية العميقة. لكن السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه هو: لماذا لم نستلهم حضاراتنا العريقة لنخلق سردًا دراميًا يعكس هويتنا الأردنية بأسلوب إبداعي مبتكر؟
الأردن، بأرضه التي احتضنت حضارات التاريخ، يحمل إرثًا ثقافيًا غنيًا يتجاوز حدود الزمان والمكان. ومع ذلك، نجد أن الدراما الأردنية لا تزال محصورة في قوالب تقليدية، تتكرر فيها موضوعات البادية والريف، دون جرأة لاستكشاف أفق جديد. هل يمكننا كفنانين ومبدعين أن نقدم دراما تُجسد تاريخنا وتُلهم أجيال المستقبل بقصص إنسانية عميقة ترتبط بقضايا العصر؟
إن صناعة الدراما الأردنية بحاجة إلى إعادة تعريف جذرية، تتجاوز التقليد إلى الإبداع. نحن بحاجة إلى نصوص جريئة تستمد قوتها من تاريخنا الغني، لكنها تُحاكي الواقع الثقافي الحديث، وتنقل رسائل إنسانية تتفاعل مع العالم. هذا يتطلب رؤية جديدة تعتمد على:
1. استلهام حضارتنا وإرثنا العريق في بناء أعمال درامية متفردة.
2. تطوير الإنتاج عبر شراكات مع القطاع الخاص ليكون استثمارًا مستدامًا.
3. تعزيز السياسات الداعمة للإبداع الفني، لتفتح آفاقًا جديدة للمبدعين الشباب.
4. كسر القوالب التقليدية لتقديم قصص تحمل بُعدًا محليًا وعالميًا، تعكس التنوع الثقافي الأردني وتصل إلى قلوب الجماهير في الداخل والخارج.
الأردن ليس مجرد دولة تعيش الحاضر، بل هو جسر بين الماضي والمستقبل، وهذه الهوية الفريدة يجب أن تكون محورًا لصناعة درامية تحمل رسائل إنسانية عميقة تتجاوز الحدود.
الدراما الأردنية يجب أن تتحول إلى أداة تُعيد تشكيل الواقع الثقافي، لا أن تكتفي بتكرار صوره. علينا أن نُبدع سردًا جديدًا يليق بإرثنا الحضاري ويرسم ملامح المستقبل الثقافي والفني لأجيالنا القادمة.
مرة أخرى، أشكر لكم هذه الفرصة لإيصال صوتي، وأتمنى أن تساهم هذه الرؤية في إلهام مسار جديد يُعيد للدراما الأردنية بريقها ومكانتها.
النائب السابق.. الدكتور علي خلف الحجاحجه.. كانت وجهة نظره كما يلي..
الدراما عموما، تحمل رسائل عديدة وتعكس بل وتساهم في نشر ثقافة المجتمع بشكل سلس محبب عابر للحدود والثقافات، وتعالج الدراما الكثير من القضايا المجتمعية دون جرح أو قسوة فيكون أقرب للقبول من المعالجة المباشرة التي قد تتسم بالقسوة.
والدراما الأردنية هلى وجه الخصوص هي الأقدر على ذلك لما لها من تاريخ وخبرة تراكمية وعفويه وكاريزما ونصوص وإخراج وغيره، وشاهد ذلك ما وصلت اليه الدراما الأردنية من مكانة وسمعة وانتشارا على مستوى الوطن العربي، وما ينبني على ذلك من تسويق لسمعة الأردن وكفاءاته على مختلف الأصعدة.
ولكن هناك العديد من الأسباب التي ادت إلى تراجع الدراما الأردنية ومنها:
* ضعف التمويل من قبل التلفزيون الاردني وعدم توجهه لشراء الأعمال الأردنية.
* ظهور المنافسة السلبية من غير أصحاب الاختصاص والمحترفين مما قلل التوجه نحو الدراما الهادفة.
* ظهور التكنولوجيا وما رافقها من الفن السريع صرف الانظار إلى حد كبير عن الدراما بشكلها التقليدي.
* تولية من هم من غير ذوي الاختصاص والدراية والاهتمام في المواقع الثقافية مما ساهم بتراجع الدراما بشكل صارخ
* غياب المؤسسية التي ترعى الفن والدراما وما شهدناه من حالات ونهايات مأساوية لفنانين أصحاب بصمات واضحة.
وعليه أقترح بعض الحلول عسى أن يتم إصلاح ما يمكن إصلاحه:
* تخصيص مبلغ سنوي في موازنة التلفزيون الاردني مخصص لشراء،ورعاية أعمال الدراما.
* توجيه جانب من مخصصات المسؤولية المجتمعية لدعم الدراما الأردنية.
* تولية أصحاب الاختصاص مواقع المسؤولية الثقافية.
* تخصيص جوائز سنوية لافضل عمل فني وأفضل إخراج وأفضل نص وغيره
* تجسيد ذكرى الفنانين القدامى وأصحاب البصمات الواضحة ليكون حافزا للأجيال القادمة.
* قيام الجامعات وكليات الفنون والمسارح بدورها لاكتشاف الطاقات والهواة الواعدون وتبنيهم.
فيما اختصر الدكتور علي المر رأيه بما يلي..
كل ما كانت الفكرة التي تدور حولها الدراما عميقة، كانت القصة ثرية، وكانت الدراما أكثر تأثيرًا وجاذبية.
الفكرة في الدراما الأردنية تدور حول عادات أو أحداث أصبحت مكرورة ومعروفة ولا تحمل معاني جديدة ومثيرة.
السيد جميل خالد القماز.. كانت مداخلته تحت عنوان "الدرامة الاردنية"..
تلك الذكريات التي عاشت معنا ردح من الزمان وكنا ننتظر كل ما هو جديد لما تحمله من رسائل موجهة للمجتمع وتعيش تلك الفترة بحلوها ومرها ،ومع ذلك كانت انطلاقتها قوية وفرضت نفسها على الارض وتسابقت دول الجوار على كل ما هو جديد،،
مالذي تبدل وماذا حصل ولما هذا التراجع الذي اصاب الدرامة الاردنية،،
خلال حضورنا لندوة تجمع المنتج الاردني عصام حجاوي والمخرج حسن ابو شعيرة والممثل ساري الاسعد ونريمان عبدالكريم ،،وجمع كريم ،،،
اوضحوا ان الدرامة الاردنية ضلت بتصاعد حتى حرب الخليج الذي كان مفصلا وفصل جديد لها شعاره التراجع،،
وبنوا ذلك التراجع لعدم دعم الحكومة ممثلة بوزارة الثقافة وباقي مؤسسات الدولة ذات الاختصاص للدرامة الاردنية والتي اصابتها انتكاسة وفسحت الطريق لغيرها من الدول لتشق طريقها وتنمو بشكل سريع انساها تلك الحقبة التي كانت للدرامة الاردنية،،،
وانا اقول ان كانت الحكومة في فترة ما لم تسند الدرامة الاردنية فان ذلك لا ينفي عن القائمين عليها من مسؤولية وتقصير واضح جعلها في ذيل السلم التنافسي مع شقيقاتها،،
فالمسؤولية مشتركة وواجب التعاون فيما بينهم ( القطاع العام والخاص) للنهوض واعادتها على الطريق الصحيح،،،
ولقد اعجبني مقولة في الندوة عندما قال احدهم ،، اكثر وقت قد يمضيه وزير او رئيس وزراء لتوجيه رسالة للشعب او قطاع او مؤسسة لا يتجاوز النصف ساعة بينما نحن توجيهنا ورسالتنا تبقى على مدار ثلاثون يوما لكل مسلسل وبذلك نزرع الفكرة ونرسخها في ذهن المشاهد وهذا ما يعجز عنه عتاة السياسة ،وانا اوافقهم الرأي وخاصة اذا ما كان ذلك التوجه والرسالة هادفة وصادقة وحافظة للدين والقيم والعادات والتقاليد الحميدة،،،
وعليهم ببرامج المسابقات الثقافية الذي تميزنا به ولا زال بابه لا زحام عليه من الاخرين،،،
ادعموا الدرامة الهادفة فانها طوق نجاة،،،،
فيصل تايه .. كاتب ومستشار وناشط سياسي واجتماعي.. كانت مداخلته كما يلي..
بداية دعوني أقول: رحم الله الفنانين الذين قضوا وافتقدناهم وانقرضوا وتركوا فراغا عميقا والذين كانوا بمثابة بشارة وأيقونة زاخرة للإصرار والأمل بالنسبة لأبناء جيلنا اليافع حينها.
ولذلك فانا دائما نجد انفسنا في حضرة نوستالجيا شديدة من الحنين الطاغي إلى ذلك الاداء الفني المحفّز بنبالة وطنية رفيعة على حالة النهوض وعدم اليأس ، خصوصاً بعد أن غمرتنا - ومنذ فترة للأسف - حالة الكساح والنكوص الجمعي المريع، تلك الحالة اللدودة التي كرّست لنا أيضاً - وبشكل ممنهج كاد يقصم أحلامنا تماماً - كل هذه الخيبات المتوالية الصادمة والمماحكات والخلافات التي لا أقسى منها.
انني وبكل صراحة مازلت أرى كل النُخب الفنية بمختلف مستوياتها لا تكاد تعادل من الناحية الحيوية - في تأثيرها على مستوى الواقع اليوم - أمام ما تمثّله مضامين الرساله الانسانية العميقة التي يجب ان يحملها كل واحد فيهم ولو ان العتب الكبير على المعنيين من جهات رسميه ونقابية لادركنا ان الاعمال الفنية الاردنية يجب ان تكون على رأس مصفوفة لها اولوياتها ضمن منظومة معتبرة من الأغاني والأناشيد والافعال المسرحيه والدرامية الاذاعية والتلفزيونية التي تسقي الروح الوطنية الذابلة إجبارياً عند البعض وعلى الريق، بحيث يكون من أسمى المحفّزات القيمية واسعة الإجماع والدلالات والاصطفاف في اتجاه المطلوب .
اننا بحاجة فعليه أن يترافق الأمر بالضرورة مع نوايا إجراءات حقيقية - لا شك فيها - نحو يقظة إصلاحات عاجلة على كافة أصعدة في مؤسسه الفن الاردني بدعم الدولة والمجتمع وإلا سيبدو الأمر مجرد سخف نحن في غنى عنه لأنه ببساطة سيجعلنا نتمرّغ أكثر في الغيبوبة المخجلة التي دخلنا فيها بعد انقراض جيل العمالقه من رواد الفن الاردني الاصيل ومازلنا نعاني تكرُّسها كنمط حياتي لا يتزحزح على الرغم من الاعمال الخجوله المهيبة للأسف.
نعم .. ما زلنا نراوح مكاننا رغم معرفتنا إن للفن معطياته الموضوعية في استيعاب وصيانة وحراسة ذاكرة المجتمع وتوجيهها بشكل تراكمي متجذّر وقوي للانتصار على حالة الهشاشة الجامحة وعلى كل المستويات حيث ننتظر من الجهات ذات العلاقه ان تنقذنا من جذوة النكوس .
اننا بحاجة ماسة الى استثمار حقيقي لطاقات الشباب الذين هم الأكثر حماسا وتضحية في استعادة هيبه الفن الاردني .. كما أنهم الأكثر مغامرة والأكثر ابداعا وبالتالي فإنهم الأكثر تطلُّعاً إلى الاردن بلد الفن والفنانيين والأكثر مراهنة عليه.
لكني وبلغة أخرى أقول : يؤدّي التنكيل المستمر بين الفنانين الرواد إلى معطيات مجتمعية نفسية لا تخلق جواً مشبعا بالراحة للانطلاق باعمال ابداعية خلاقة ، بقدر ما يؤدّي إلى متاهات جديدة تعطّل العمل ولا تنقذ الفن الاردني الاصيل أبداً.
السيد محمود الملكاوي.. كانت شرح وجهة نظره كما يلي..
-الكثير منَّا يتساءَل عن سبب حضور الدراما الأردنية الباهت في الشاشات العربية ، وعمّا إذا كان ذلك يعود إلى نقص في الممثلين أَم إلى النصوص أَم إلى الإنتاج أَم التمويل؟!.
-ما الذي جرى للدراما الأردنية لترجع إلى الوراء بعد سيطرتها على الشاشات العربية ؟! حيث استطاعت على مدى عقدين من الزمن ( 1970 – 1990 ) أنْ تحتل مركز الريادة بامتياز جنباً إلى جنب مع الدراما السورية.
-لا شكّ انّ الدراما هي شكل رفيع وأساسي في قراءة المجتمع وإعادة إنتاجه ، وهي أسرع وسيلة لإيصال الرسائل الحياتية والمجتمعية إلى المشاهد ، وأحد وسائل الحفاظ على الهوية الوطنية ، وتعزيز الولاء والانتماء إلى الوطن.
-الدراما الأردنية تمرُّ الآن -للأسف- بأسوأ مراحلها لعدة أسباب ، فقد أصبحت دون محتوى ولا رسالة ، وفقدَت مُخرجها القادر وممثلها المتميز ، ناهيك عن تدخل بعض المنتجين وقنوات التلفزيون العربية في الدراما الأردنية وتفريغها من رسالتها ومحتواها ، فلم تَعُد تحاكي الواقع المعيشيّ ، وعدم وجود حركة نقدية واعية تواكب الأعمال الدرامية وتُوجهها.
-من هنا فقد يكون من واجب الدولة إيلاء هذا الأمر عنايةً خاصة ودعم مادي ومعنوي لبعث ونهوض الدراما الأردنية من كبوتها ، وقد يتم ذلك من خلال تنظيم مؤتمر وطني فني كبير تتبناه الحكومة لمناقشة أحوال الدراما الأردنية وكيف تصل بها إلى الطموح المطلوب ، والعمل على توفير الظروف الملائمة للفنان الأردني ليُبدع ، من تأمينات معيشية وحوافز ، وأن يلتزم التلفزيون الأردني والإذاعة الأردنية بإنتاج أعمال درامية محلية مدروسة على مدار السنة وليس في شهر رمضان المبارك فحسب ... ويحدونا الأمل في أنْ نُصبح قادرين على إنتاج أعمال درامية تتحدَّث عن مراحل التحولات الثقافية والاجتماعية التي عايشها المجتمع الأردني على مدى عمر الدولة الأردنية.
السيد ابراهيم ابو حويله كانت مداخلته تحت عنوان "الدراما الاردنية"..
تغير ولا بد أن تتغير وإلا لن تتطور، نعم تأخذ الدراما في العصر الحالي صورة مختلفة لأن المتطلبات الجماهرية إختلفت، لم يعد هناك حاجة لأن تجلس منتظرا دقة الساعة التاسعة حتى تحضر مسلسلك المفضل، فبنقرة زر تستطيع ان تحضر ما تشاء وقتما تشاء وتقسمه إلى أوقات واجزاء، وهناك وجبات دسمة واخرى سامة، وهناك منصة تيد تجمع لك من نجح ولماذا نجح، وهناك عروض يضج بها الواقع الأفتراضي، وتسعى للمشاهد بالدعاية والمشاركة والتسلط والمفاجأة.
ونتوقع من المواقع الإعلامية الرسمية منافسة هؤلاء، في العروض الترفيهية والتسويقية المنافسة ستكون شرسة، ربما هناك باب تستطيع الدراما الولوج منه، وهو الدراما الهادفة، كلنا يذكر مسلسل مثل أرطغرل كيف غزا البيوت العربية والمشاهد العربي، وإستطاع السيطرة على ساحة كبيرة من المشاهدين، وهناك مسلسلات تاريخية مثل التغريبة والزير سالم فرضت نفسها، وأخرى إسلامية مثل عمر رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز.
لدينا كتاب مميزين وليد سيف وغيرهم، هنا لا تستطيع الهواية ولا الامكانيات البسيطة المنافسة، وسيبقى هذا المجال مفتوح بقوة للإنتاج المهني المحترف، والتلفزة الرسمية المدعومة.
وهنا لا بد من التفكير الجاد في تلك الفقرات القصيرة التي تحمل عبرة كبيرة ورسالة كبيرة، وتعمل على إيصالها لأجيال المستقبل عبر صور من الدراما المخففة التي تحمل قصة قصيرة صامتة معبرة، ولا أنسى تلك الرسالة التي حملها أحد هذه الأعمال عن تعب الأباء والصعوبات التي يواجهونها في العمل حتى ينعم الأبناء بحياة كريمة وتعلم ومستقبل أفضل، ما نقلت صورة معبرة لعالم كامل لانها صامتة مثل مسلسلات شارلي شابلن ولكنها ناطقة بالحياة كمستر بيين البريطاني، ويبقى باب الإبداع مفتوح لمن يملك وسائل جديدة وفكر منفتح ويوظف امكانياته في صناعة محتوى هادف.
العميد المتقاعد محمد الحبيس.. كانت وجهة نظره كما يلي..
الثقافة الوجه المضيء للشعوب وتعبر عن هويتها وقدرتها على الأبداع والمساهمة في الحضارة العالمية والدراما كأحد الفنون المعبرة و احد الوجوه بل ومن اهمها والذي يبرز مستوى هذه الثقافة وصلاحيتها ومكانتها في الثقافة العالمية ..لابد من تفاعل جميع الأطراف في بلورة دراما تعبر عن المستوى الثقافي الحضاري الأردني لتبرز من خلاله هوية الوطن ومستوى الابداع والحصيلة الثقافية الكلية،
انخفض مستوى الدراما الأردنية في العقدين الماضيين لأسباب كثيرة حصرها يحتاج الى مساحة كبيرة للتعبير ولكن من اهمها التنافسية الشديدة للأمم والانفتاح بوسائل التواصل وعدم البحث الجاد والولوج في العمق الثقافي والانصراف عن حركة الابداع لأسباب قد تكون مادية وايضا الوقت المتوفر امام زحمة الحياة والانشغال في الامور السياسيه والاجتماعية والاقتصادية على حساب الانتاج الثقافي والذي تتغذى عليه الدراما وباقي مجالات الفنون....
المهندس رائد فايز حتر.. كانت وجهة نظره كما يلي..
بالتأكيد بعد هذه المداخلات القيمة لم يتبقى لي شي لاقوله ولهذا ساقتصر مداخلتي على نقطتين
الاولى ان الدراما الاردنية وخاصة المسلسلات البدوية استطاعت ان تصل إلى العديد من الأسواق العربية وخاصة دول الخليج العربي وليبيا وسيناء نظرا لقرب من عادات وتقاليد والموروث الثقافي لتلك الدول خاصة وان هناك امتداد لبعض العشائر ما بين الاردن وتلك الدول وبالتالي ساهمت بنشر الوعي والمعرفة عند سكان تلك المناطق بعاداتنا وتقاليدنا وزادت من اواصر المحبة والتواصل بيننا وبينهم وحققت مردود اقتصادي للوطن
والنقطة الثانية التي أود أن أثيرها وطرحها للنقاش هي ها هناك علاقة او ترابط ما بين تراجع الدراما الاردنية وخاصة المسلسلات البدوية والهجمات المتواصلة لبعض التيارات على العشائرية ودورها في المجتمع الاردني او ان هناك أسباب اخرى مثل غياب الكتاب المتخصصين بتلك الموضوعات وضعف التوثيق لدينا حيث أن بعض اهم المسلسلات البدوية الناجحة مثل نمر ابن عدوان وراس غليص تم كتابتها بناء على سرد لذكريات وقصص بعض المعمرين الذين قاموا بروايتها لابنائهم الذين صدف ان بعضهم كانوا كتاب و او شعراء؟؟
فيما اختتم الدكتور محمد بزبز الحياري الحوار.. بهذا التفصيل.. من خلال مشاركته وادارته لندوة حول واقع الدراما الأردنية..
الفن مرآة الشعوب ، واحد اهم الفنون وأكثرها تأثيرا هو الدراما، وتُعرّف الدراما على انها نوع من انواع التعبير الادبي الذي يؤدا تمثيلا على المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون، حيث يجتمع خليط من الجد والفرح والحزن والالم والحقد....الخ، وهناك الميلودراما وهي المبالغة المفرطة بهذه العواطف والاحاسيس
وللأسف الشديد إن يُختزل مفهوم الدراما في ذهن الغالبية وحتي عند الكثير من المثقفين وصناع القرار بالتسلية والبهجة فقط ، ومع الإقرار بهذه الجوانب المهمة للدراما ، الا ان مفهومها اوسع وأشمل من ان تحصرها بين دفتي التسلية والبهجة، فهي رسالة اولا وآخرا ورسالة مهمة وخطيرة ايضا ، وإن هذه الرسالة ومضامينها التوعوية والاصلاحية والترفيهية، تساهم مساهمة فعّالة في دفع مسيرة الامة للامام وتسبر آفاقا قد تعجز قطاعات ٱخرى عن سبرها والخوض بها، وهي سلاح ناعم له من التأثير في أحيان كثيرة ما يفوق تأثير البندقية ومداها.
علاوة على ذلك،فقد اصبحت الدراما صناعة كباقي الصناعات، لها اسسها العلمية والفنية، وتعتمد عليها الكثير من الدول وتُدِر عليها دخلا وبنسبة كبيرة من الدخل القومي الاجمالي يفوق دخل النفط لبعض منتجيه، كالهند وجامايكا مثلا.
كان للدراما الاردنية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي رسالة وريادة على المستوى المحلي والعربي وكانت تنافس بقوة الدراما المصرية والسورية وتتفوق عليها بٱمور ومسائل مفصلية ووصفها الحسين عليه رحمة الله بأنها جزء من كبرياء الامة، وتمتاز الدراما الاردنية بأنها الاكثر وقارا واحتشاما.
لكن نرى انه وبالآونة الاخيرة وتحديدا منذ بداية التسعينات بدأت الدراما بالتراجع شيئا فشيئا، حتى وصلت الى ما وصلت اليه الان، حتى ان جلالة الملك عبدالله قال: آلمني ان ارى الفنانين يجوبون الشوارع بحثا عن حقوقهم.
كان لي مؤخرا شرف الدعوة والتنسيق والتنظيم لندوة حوارية وإدارتها في السلط وفي قاعة بلديتها (لما لهذا الموقع من رمزية لا تخفى على احد)، لمناقشة هذا الشأن وتشخيص اوضاعها والوقوف قدر الامكان على مواطن الخلل، والبحث عن روافع للنهوض بالدراما الاردنية مجددا، وقد توخيت تمثيلا فعليا وواقعيا لعناصر صناعة الدراما ، تمثيلا وإخراجا وإنتاجا، وايضا تمثيلا نقابيا ، فكان الاستاذ عصام حجاوي منتجا والفنان حسن ابو شعيرة مخرجا وممثلا ،وساري الاسعد نقابيا وممثلا ومنتجا ومخرجا والفنانة ناريمان عبدالكريم ممثلة، اما الرعاية فكانت للأديب والمثقف وزير الثقافة الاسبق د. صبري ربيحات، وقد اكتظت القاعة ( عكس الندوات السياسية) بوسائل الاعلام الرسمية والخاصة و بجمهور نخبوي مثقف وواعى ساهم بالحوار وأثراه.
عبر المنتدون عن اوجاعهم وآلامهم النابعة من اوجاع الدراما وما تعانية بالوضع الراهن من تهميش واضح من مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الحكومة ومجلس النواب.
ونعرض اهم ما جاء بمساهماتهم بشكل مختصر كالتالي:
المنتج عصام حجاوي
_ الحكومة تنظر للدراما كترف وليس كضرورة وبالتالي يتضح انه ليست هناك اي اولوية لدى الحكومة لدعم الدراما وصناعتها
_ الدراما الآن قائمة بكل حيثياتها على جهود القطاع الخاص وليس هناك أي اثر للقطاع الرسمي ، بل ان الحكومة تعاقب الفنان والمنتج الاردني بقراراتها بدلا من دعمهما
_ بداية تراجع الدراما الاردنية كانت عقب احداث الخليج بداية التسعينيات والمقاطعة التي فرضت على الاردن ومن ضمنها مقاطعة الدراما الاردنية.
_ لم تتخذ الحكومة اي قرار جوهري، لوقف التراجع بالدراما.
المخرج والممثل حسن ابو شعيرة
_ الحكومات المتعاقبة مسؤولة مباشرة عن عدم الارتقاء ودعم الفن بشكل عام والدراما بشكل خاص.
_ تم مؤخرا العبث بالمباديء والٱسس الأصيلة للدراما ولم تعد تنقل الواقع الحقيقي للمجتمع، واصبحت تعتمد على سيناريوهات غير حقيقية هدفهاالتشويق و التسويق فقط.
_ غياب اهمية الدراما عن ذهن صناع القرار السياسي ، علما بأنها وسيلة اساسية لتنمية المواطنة الصالحة عند الشعب.
_ هناك سلبيات للدراما ظهرت حديثا، وأهمها انها لم تعد تعكس مسيرة الشعوب، ولم تعد تعبر عن طموحات وآمال الشعب ، ولا يمكن تناولها كوثيقة قابلة للدراسة.
الممثل والنقابي ساري الاسعد
كانت صرخته موجعة جدا عندما تحدث عن اوضاع الدراما والفنانين وتكلم من قلب موجوع بهم الدراما وصناعها.
_ اول ما ابتلي به الفن والدراما وأجهز عليها ،هو ايلاء مسؤوليتها لمن لا يعرف عنها ولا يعرف ماهي الدراما ومدى تأثيرها، وشدد على ان المسؤول عنها يجب ان يخرج من رحمها ويعرف اوجاعها ويعرف سبل علاجها والارتقاء بها.
_ ليس هناك اي جهة تتولى البحث عن الطاقات الفنية الجديدة ورعايتها وايجاد فرص عمل لها.
_ الدراما هي ذاكرة الزمان والمكان، وعدم الاهتمام بها اسقط الزمان والمكان من مسيرة الوطن.
_ الارتقاء بالدراما والعودة بها الى ما كانت عليه، بحاجة الى قرار سياسي جريء وفي اقرب وقت ويجب ان يناقش هم الدراما من قبل مجلس النواب
_ الدراما الاردنية والفنان الاردني يسيران حاليا بشكل مترنح وبدفع ذاتي فقط ولا ينعم بأي شكل من اشكال الدعم والرعاية. وليس لأي جهة فضل عليه لامن قريب ولا من بعيد.
الممثلة ناريمان عبد الكريم
_ غاضبة حد اليأس مما آل اليه وضع الدراما والفنانين حاليا.
_ عدم الاهتمام بالفن ضعف الانتاج الفني هو الذي يجبر الفنان احيانا للاعتزال او الذهاب خارج البلد
_ يضطر الفنان احيانا للقبول بأعمال متواضعة فقط لضرورات العيش.
وبالنهاية نطالب الجهات المختصة وصناع القرار السياسي والثقافي الاهتمام بالفن والدراما وإعادتها الى القها وريادتها ووضعها بمكانها الحقيقي واللائق بها في مسيرة الوطن.