إيران والضربات الإسرائيلية .. حسابات الرد أم تسليم "شرطي المنطقة"
م. عبدالله الفاعوري
16-06-2025 10:44 PM
عند التمعّن في حجم الضربات التي تتلقاها إيران من الكيان الصهيوني، تتبادر إلى الذهن تساؤلات منطقية ومثيرة للحيرة لدى أي متابع للمشهد الإقليمي المضطرب:
كيف لدولة ذات تصنيع عسكري متقدم وقدرة على تخصيب اليورانيوم أن تكون بهذا الضعف الدفاعي؟
كيف لدولة بحجم إيران، تملك شبكة نفوذ إقليمية واسعة، أن تكون بهذا القدر من القابلية للاختراق والتجسس؟
ولماذا تظهر طهران، في كل مرة، وكأنها تتردد أو تحتاج إلى "موافقة ضمنية" قبل أن ترد على ضربات الكيان الصهيوني؟
هذه الأسئلة لا تصدر من موقف معادٍ لإيران، بل من ملاحظة التناقض بين حجم الخطاب السياسي لحلفائها ومكانتها العسكرية المفترضة، وبين واقع ميداني يكشف خللاً أمنياً وسياسياً يستحق الوقوف عنده.
هشاشة دفاعية رغم الإمكانيات
لطالما تحدثت إيران عن تطور قدراتها الدفاعية، من الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة، إلى الدفاعات الجوية ومنظومات الردع. ومع ذلك، أثبتت التجربة أن هذه القدرات لم تكن كافية لردع ضربات إسرائيلية دقيقة وصلت إلى قلب المنشآت النووية والعسكرية الحساسة، بل وحتى العاصمة طهران.
لا يعود ذلك بالضرورة إلى فشل كامل في المنظومة العسكرية، بل إلى واقع استراتيجي أعقد، إذ تواجه إيران عدواً يمتلك تفوقاً تكنولوجياً واستخبارياً هائلاً، وغطاءً سياسياً دولياً يجعله يتحرك بحرية شبه تامة.
اختراقات أمنية عميقة
بات مؤكداً أن الأمن الداخلي الإيراني يعاني من اختراقات متكررة، لا تقتصر على التكنولوجيا فحسب، بل تمتد إلى اختراق بشري وخلايا نائمة داخل المؤسسات الحساسة. اغتيال العلماء، وتفجيرات المنشآت، وتسريبات دقيقة من قلب الأجهزة الإيرانية، كلها مؤشرات على اختراق ممنهج يصعب على أي دولة التستر عليه.
هذه الاختراقات تُضعف الثقة بالمنظومة الأمنية وتؤكد أن الصراع بين إيران والكيان الصهيوني لم يعد مجرد "صراع بالوكالة"، بل بات مواجهة مباشرة بأساليب غير تقليدية.
ردود محسوبة وليست غائبة
كثيرون يرون تأخر الرد الإيراني أو ضبابيته دليلاً على الخضوع أو الضعف، لكن الواقع قد يشير إلى "حسابات عقلانية" لا يستطيع النظام الإيراني تجاوزها بسهولة. الرد السريع والمباشر قد يُشعل حرباً شاملة لا ترغب طهران في خوضها الآن، خاصة في ظل أزمات داخلية، وعقوبات اقتصادية، وتوتر إقليمي متصاعد.
لكن في الوقت نفسه، هذا التباطؤ يُفقد إيران مكانتها الردعية، ويمنح الكيان الغاشم مزيداً من الثقة للتوسع في عملياته العسكرية والسيبرانية.
إيران.. لاعب أم أداة؟
ما يعمق من مأساوية المشهد أن البعض بدأ ينظر إلى إيران بوصفها مجرد "حجر شطرنج" يُحرك لخدمة أهداف كبرى، تتجاوز حتى طموحاتها الإقليمية.
كلما ازداد حضورها الطائفي في المنطقة، زادت الحاجة الإقليمية للتحالف مع "العدو الظاهر" – أي الكيان الصهيوني – ما يجعل العدو الحقيقي يربح دون أن يخوض معركة مباشرة.
إن التوظيف السياسي للطائفية، من أي طرف كان، لا يخدم سوى المشروع الصهيوني الذي يراهن على تفتيت الصف الإسلامي والعربي، وتحويل الأنظار عن فلسطين والقدس، إلى صراعات جانبية داخل الأمة الواحدة.
العدو الحقيقي لا يزال واضحًا
في خضم هذا المشهد، يجب ألا نغفل عن العدو الحقيقي: الكيان الصهيوني. هذا الكيان الذي لا يلتزم بقانون دولي، ويتحرك بقوة السلاح والدعم الدولي، ولا يمكن ردعه إلا بقوة موازية تُجمع فيها الكلمة قبل السلاح.
ما يجري اليوم، من ضربات متبادلة وحسابات دقيقة، يُشبه إلى حد كبير عملية تسليم تدريجي لدور "شرطي المنطقة" من إيران إلى الكيان الصهيوني، بعد أن بلغ الأخير مستوى غير مسبوق من "العلو" والتغوّل، سياسيًا وعسكريًا.
لكن ذلك لا يعني نهاية المعركة، فالوعي الشعبي، ووحدة الكلمة، وتجاوز الاستقطاب الطائفي، قد تكون بوابة استعادة التوازن، وإعادة بوصلة العداء إلى مكانها الصحيح.