محاولات حشر الوجدان الشعبي في إطار "التكفير" في الأردن تجاوزت المعقول، وهذا خطر كبير.
اللامعقول تجاوز حده في دولة تعاني من ارتباك في ترسيم حدود حضورها في المشهد الداخلي، أمام مد "تكفيري" يجعلنا محشورين في مشاهد فانتازية من فيلم الرسالة الشهير، بين كفار ومسلمين. والواقع غير ذلك تماما.
قصة تغيير اسم دوار في مدينة إربد بقرار مجلس بلدي، قصة ليست بسيطة. فالأمر يتعدى الدوار وتسمياته إلى محاولة فرض "حضور" من أبواب خلفية بعد أن تم سد الأبواب الأمامية لتيار إسلامي سياسي يوظف كل ما يمكن توظيفه كي يواجه مفهوم "الدولة" على إطلاقه.
لدينا مشكلة أصلا في موضوع تسمية الشوارع والأماكن الرسمية في الأردن، وهذا مقام له مقاله في قادم الأيام، ومرده الجهل وقلة الكفاءات، لكن في موضوع دوار فضل الدلقموني في إربد، فالقضية صارت تسلل واضح لتسديد هدف غير شرعي في مباراة غير ودية يفرضها "الإسلامويون"، والأزمة الحقيقية في الجمهور المستهدف.
هذا يفتح ملف استباحة الشوارع والأماكن العامة من قبل هؤلاء وطوال عقود، بدون رقيب او حسيب، خوفا من التكفير الشعبوي، أو ربما بتواطؤ من "خلايا" استطاعوا زراعتها في مفاصل الوظائف العامة، أو من جمهور منقاد بلا وعي تم اختراقه عبر سنوات من العمل المنهجي المدروس.
في الشريعة ومقاصدها لا يوجد أي تكليف شرعي بتسمية الشوارع، ولا حتى أجرا من الحسنات يمكن حصده من تسمية شارع ما باسم صحابي أو تابعي، مما يعني أن القصة لا تحقق قصدا دينيا محددا.
الدولة الأردنية هي التي تحدد المقاصد من كل ذلك، ومنطقيا فإن الدولة التي اجتازت مئويتها الأولى لها تاريخها في مائة عام مضت، وهو تاريخ حافل – بالضرورة- بأسماء واحداث خاصة بالدولة نفسها.
ولو أخذنا نموذجا القصة الأخيرة بالدوار في إربد، فاسم فضل الدلقموني رحمه الله، جزء من تاريخ الدولة لا يمكن إنكاره، وهويته بدأت من مسقط رأس المرحوم، مدينة إربد، أما أن نستبدله باسم "الحرمين" فهو عبث لا معنى له إلا إسقاط ذاكرة الدولة ووجدانها العميق، بتسميات لا تحصد أجرا ولا إهمالها يشكل ذنبا.
وهذا يمتد لكل شوارع المدن الأردنية العجيب بإطلاق تسميات صحابة وتابعين لا ارتباط لهم بذاكرة المكان مطلقا، وتقديرهم لا يكون بهذه الطريقة، لكنها منهجية مدروسة لإسقاط ذاكرة الدولة نفسها.
انتهاك تلك الذاكرة "والقوانين والأنظمة" لا يقتصر على ذلك، وقد كتبت سابقا عن تلك اللافتات المعدنية التي تحمل ادعية وأسماء والمثبتة بقوة على طول الشوارع في كل المدن وعند كل إشارات المرور، مجهولة النسب ولا تراخيص قانونية لها، ولا جرأة يملكها أي شخص على إزالتها.
أنا بالتأكيد لست ضد محتواها، لكن ما هي القيمة الشرعية لحضورها في الشارع العام؟ وهل هناك فعلا من سيترك قيادته ليقرأها في شوارعنا المزدحمة والمتأزمة؟
هي موجودة كإثبات وجود يرمز للسيطرة على الشارع..وآن أوان تدخل الدولة الحاسم.