محمد فلاح العابد، رجل الشَّمس التي لا تغيب
د.طلال طلب الشرفات
04-07-2025 06:09 PM
أن تكون أردنياً فذاك شرف كبير، أما أن تكون وطنياً بحجم الشَّيخ الرَّاحل محمد فلاح العابد فتلك مهمة شاقّة لا يحظى بها إلّا من كان ذو حظٍ وفير، ولعل الشَّمس الأردنيّة الشَّريفة التي تلقي التَّحيّة كلَّ صباحٍ على الذَّكرى والذَّاكرة لأبي عبدالله الوطني الحرّ الشَّريف قبل أن تُلامس ناصية عمّان؛ رجل المواقد التي لم تنطفئ، والموائد التي لم تنكفئ حتى بعد رحيله بعزم النَّشامى من أهله وذويه، وبقيت قهوة الضَّيف المُعطّرة برائحة الهيل عامرة كلّ صباح وفيّة – كل الوفاء – لسيِّدها الكبير.
ما كان محمد العابد هاوٍ لسلطة أو حكم، ولكنه سيّد حُلم حمل الوطن في قلبه وضميره ووجدانه النَّقي التَّقي، وأدرك مبكراً تحديات مشروع الهويّة الوطنيّة الأردنيّة، وإكراهات الدَّولة حيالها؛ فكان من رجالات الوطن الكبار الذين عملوا على صيانتها دون إقصاء، وحفظ للتراب الوطني عطره دون أهواء، وشارك أحرار الأردن مخاوفهم دون إسفاف، وآمالهم دون إجحاف، وبيته الكبير الرَّحب موئلاً لرجالات الحركة الوطنيّة للتشاور حول حماية الوطن من صلف الطُّغاة والبُغاة، وهواة الرَّقص على أوتار الخراب.
بقي العابد طيلة حياته مٌخلصاً للعرش، ووممسكاً بقدسيَّة التُّراب وشرف الوطنيّة الحقّة، وقابضاً على جمر العشق الأبدي للون القمح الذي غادرهُ عُتاة المتخاذلين والمتآمرين، وهواة الهتاف لمنابر الغرباء، وعانق عباب الجود في بيته وخدمة قومه وأبناء الوطن، وما خذل طالب حاجة أو مٌستغيث لمواجهة فاقة، عزيز النَّفس في مجاملة رجال الحكم، وما ترك نداءاً الّا ولبَّاه، ولا واجباً إلّا وأدّاه، وقضى عمره "رحمه الله" في قضاء حوائج الناس.
عرفت الشَّيخ الجليل في مطلع تسعينات القرن الماضي، وكان كريماً ونبيلاً حدَّ العجب، ورجلاً شريفاً قدر التَّعب، ومُحباً لوطنه وقيادته، وقبل أيام حظيت بدعوة كريمة من أنجاله لمناسبة تداعى إليها جموع غفيرة من أبناء الوطن والعروبة، وكم أذهلني وفاء أبنائه في حرصهم على تخليد أبيهم "الراحل الكبير" بصورة مُشرقة مَهيبة تبدو لكل من قصد الحفل؛ فأضاف نبلاً جديداً إلى سجاياه ونواياه "رحمه الله" وهو حُسن تربية أبنائه "حفظهم الله".
رحم الله "أبا عبد الله" عاش كريماً، ورحل قبل سنوات وطنيّاً شريفاً، وترك لنا جميعاً إرثاً وطنياً خالداً نفخر به، ونتمثل تمسكه بقيم الوطنيّة، وهو شيخ المُحافظين الأردنيين على الأرض والعرض والسِّيادة والشَّرف، ونحن سائرون على العهد والوعد الذي رضعناه من أثداء الحرائر في هذا الوطن الذي هو بين الرِّمش منّا والعين...