مستقبل المنطقة: إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية
م. عبدالله الفاعوري
02-08-2025 06:09 PM
بعد هذه الاضطرابات والتقلبات على الصعيد الدبلوماسي والسياسي والعسكري التي أصابت منطقة الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم، بدأنا نلاحظ أن الصفائح الأرضية في هذه المنطقة بدأت تستقر وتكتسب شكلًا ومعلمًا واضحًا، بعد انفجار الفوهات البركانية التي أحدثتها هذه التحولات. وهذا يدفعنا إلى التساؤل: ما طبيعة التضاريس الناتجة عن هذه التغيرات المختلفة، وخصوصًا في منطقة التصادم الطبقي؟ وكذلك: ما طبيعة الطقس في هذه الصفائح المتشكلة، الذي يعكس الأيديولوجيات المتصارعة فيها؟
إن المنطقة اليوم باتت ترسم معالم تصاعد الكيان الغاشم من مرحلة "اللاقبول واللاوجود" إلى مرحلة التصاعد الإمبريالي، ليصبح شرطيًا للمنطقة. لقد بدأنا نعاين تنفيذ رؤية "عوديد ينون" مستشار الرئيس الإسرائيلي، الصادرة في ثمانينيات القرن الماضي، والتي تدعو إلى تشكيل المنطقة على أساس الانقسامات الطائفية المتهالكة، ليكون هذا الكيان الغاشم القوة الصاعدة المتحكمة في المنطقة.
واليوم نرى ذلك يتحقق في سوريا، فبعد سقوط النظام السوري المخلوع، برزت معالم الانقسام في البلاد، فالحكومة الانتقالية الحالية لا تملك سلطة مطلقة على كامل الأراضي السورية.
ويجب أن ندرك أننا سنشهد تجددًا في التوترات الإيرانية-الإسرائيلية، فإسرائيل تهدف حاليًا إلى الانفراد بالقوة في المنطقة، وأي دولة تحمل مقومات القوة سيتم إضعافها بشتى الوسائل. فإسرائيل ترى أن النظام الإيراني الرافض للتخلي عن برنامجه النووي يمثل تهديدًا مباشرًا، وتسعى إلى إسقاطه واستبداله بنظام علماني يشبه مرحلة حكم الشاه السابقة.
وهذا الصراع بين الطرفين ليس مسرحية، بل هو صراع حقيقي. لكن علينا أن نعلم أن الهدف الإيراني من هذا الصراع ليس نصرة المقدسات ولا دعم غزة، بل تحقيق مكاسب قومية فارسية على حساب الأراضي العربية الهشة والمفرّقة. فإيران هي من أشعل الطائفية في المنطقة، وأضعفت دولًا مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن، لتستخدم أراضيها في تحقيق مصالحها. لكن مشروعها الآن يصطدم بمصالح أمريكا والكيان الغاشم، ويواجه خطرًا كبيرًا.
إن المنطقة اليوم تتجه نحو "اتفاقيات أبراهام"، على نسق من السلام والمصالح الاقتصادية برعاية أمريكية، ليصبح الكيان شرطيًا إمبرياليًا صاعدًا يستغل التشرذم والانقسام بين الأقطار لتحقيق المكاسب.
ولا ننسى أن تركيا، من خلال دورها في دعم الثورة السورية، ستشكل قوة في مواجهة هذا الكيان.
واليوم نجد الجميع يبدأ من السياسة؛ فالفصائل والدول والأقطار تجعل السياسة أساسًا لتحركاتها. والأردن اليوم يتحمّل دورًا سياسيًا كبيرًا إزاء ما يحدث، ونثمّن جهوده في إدخال المساعدات الشحيحة التي لا تكفي لتعويض النقص في القطاع. لكن لا يجوز المساس بوحدتنا الداخلية، فقوتنا الداخلية تمثل قوة كبرى في مواجهة ما يجري في المنطقة، ويجب علينا الحفاظ عليها.
فاللهم احفظ الوطن من كل شر.