حين يتحول الأكاديمي إلى انعكاس لا ذات له: التماهي كأخطر ما يهدد الوعي الجامعي
د. أحمد غندور القرعان
14-08-2025 03:15 PM
في الأروقة الجامعية، لا شيء يبدو مريبًا. المؤتمرات تُعقد، الأبحاث تُنشر، الاجتماعات تُسجّل، والخطابات الرسمية تزداد أناقة. لكن تحت هذا الهدوء، هناك سؤال لا يُطرح غالبًا:
هل ما نفعله اليوم يعكس قناعاتنا الأكاديمية؟ أم أننا فقط نتماهى مع ما هو قائم حتى لا نصبح غرباء؟
التمـاهي ليس تقليدًا ساذجًا. هو اندماج خفي يحدث حين يفقد الإنسان المسافة بينه وبين النظام الذي يعيش فيه. يذوب فيه حتى يصبح صورة عنه. الأكاديمي المرهق من لعبة الأرقام، من شروط الترقية، من أوراق النشر بلا قراءة، يجد نفسه – دون أن يدرك – وقد تماهى مع هذا كله. لم يعد يعترض، لم يعد يرفض. فقط يسير مع التيار.
التمـاهي هنا ليس قرارًا واعيًا دائمًا. أحيانًا هو دفاع نفسي. تهرّب من الصدام. قناعة مؤلمة بأن المقاومة لا تفيد. فيبدأ الأكاديمي في تكرار ما يسمعه، في كتابة ما يُطلب، في نشر ما يُقبل، حتى لو لم يقتنع به.
وأسوأ أشكال التماهي حين تصبح الرداءة نمطًا مألوفًا. حين ترى أبحاثًا لا تستحق القبول تُحتفى بها، ومؤتمرات لا تقدم علمًا تُمنح الألقاب، وبرامج أكاديمية لا تُراجع. ومع الوقت، يتعود الجميع. ومن يرفض، يُوصم بأنه مثالي، غير واقعي، أو "مش من الفريق".
التمـاهي مع الفساد لا يحتاج إلى قرار. هو فقط صمت طويل، ورضا غير معلن، وخطوات صغيرة نحو التكيف. التكيف مع بيئة تُكافئ الكم لا النوع، وتمنح الشرعية لمن يحفظ النظام لا لمن يسائله.
هل نستطيع كأكاديميين أن نستعيد المسافة؟
أن نتوقف لحظة، ونسأل أنفسنا: هل نؤمن حقًا بما ندرّسه؟ هل نقتنع بما نكتبه؟ هل نخدع أنفسنا قبل أن نخدع الآخرين؟
الوعي لا يأتي من الخطط الاستراتيجية ولا من شعارات الجودة. بل من اعتراف شجاع بأننا – أحيانًا – تماهينا مع ما كنا نرفضه.
ولعل هذا أول الطريق للعودة.