داعش .. الانتقام لا يقضي على التهديد
فهد الخيطان
22-12-2025 12:22 AM
لم يكن للولايات المتحدة أن تفكر بشن هذا العدد من الضربات الجوية العنيفة ضد مواقع لتنظيم داعش الإرهابي في البادية السورية، لو لم يقدم عنصر من التنظيم على قتل ثلاثة جنود أميركيين في تدمر قبل أيام.
بمعنى آخر، ما قامت به الإدارة الأميركية كان ردا انتقاميا، كما وعد الرئيس ترامب، ربما ينتهي عند هذا الحد، رغم تصريحات متكررة عن أن التنظيم الإرهابي يعيد بناء قدراته بوتيرة أسرع منذ سقوط نظام بشار الأسد.
التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة ما يزال عاملا، حتى بعد هزيمة التنظيم في معاقله العراقية والسورية قبل سنوات. جملة المتغيرات السياسية والأمنية والعسكرية في العراق وسورية، لم تمنح التحالف فرصة القضاء التام على التنظيم الأكثر تطرفا في المنطقة.
تفيد تقديرات مختصين بأن داعش في العراق أقل حضورا وتنظيما منه في سورية. ولم يتبق له سوى خلايا مبعثرة في مناطق محدودة. أما في سورية، فإن التطورات الكبرى التي شهدتها البلاد بعد السقوط السريع للنظام، منحت تنظيم داعش فرصة لالتقاط الأنفاس وترتيب الصفوف، بعد أن تمكنت عناصره من الاستيلاء على كميات ليست قليلة من أسلحة وعتاد الجيش السوري الذي تفكك وانهار بعد هروب الأسد، ومغادرة قوات الحرس الإيراني.
وبالنظر للتاريخ المشترك من التحالف والصراع الذي جمع هيئة تحرير الشام، التي سيطرت على الحكم، وتنظيم داعش، كانت مؤسسات الأمن السورية الجديدة أفضل حليف سوري لواشنطن في مواجهة داعش. وقد أشاد الرئيس ترامب، بالتعاون مع حكومة دمشق بالضربات الأخيرة.
لا شك أن هذا تطور مهم، خاصة بعد انضمام سورية رسميا للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. لكن من المؤكد أن القضاء على تنظيم داعش يتطلب خطوات أبعد من الضربات الانتقامية، والملاحقة الأمنية، على أهمية هذا البعد، طالما استثمرت الجماعات الإرهابية ظروف عدم الاستقرار السياسي والأمني لتوسيع دائرة نفوذها، وتجنيد عناصر جديدة.
في العراق، على سبيل المثال، ارتبط حضور التنظيم الداعشي بالتوترات الطائفية، وتعثر العملية السياسية، والتوظيف اللاأخلاقي للصراعات التنظيمية والحزبية. لم يتراجع نفوذ داعش إلا في الأوقات التي توحدت فيها جهود العراقيين، إلى جانب الدور الحاسم الذي لعبته القوات الأميركية في ملاحقة المجاميع الإرهابية هناك.
في سورية المسألة أكثر تعقيدا، وربما تشبه أحوال العراق قبل عشرين عاما. حتى الآن لم يتمكن النظام السوري الجديد من صياغة مقاربة موحدة تجمع عليها مكونات المجتمع السوري. ليس هذا فحسب، إسرائيل ما تزال مصممة، رغم معارضة واشنطن القوية، على تفكيك سورية، وإنشاء كيانات انعزالية. وأخطر ما يضعف قدرة دمشق ومعها دول الجوار في حربها ضد الإرهاب، هو إصرار حكومة نتنياهو على جعل الجنوب السوري، حيث تتمدد داعش، منطقة منزوعة السلاح.
داعش، مثلما يبدو جليا من تاريخها، تقف على الحياد من إسرائيل. وبوصفها مشروعا للتطرف والتوحش، لا تفكر بغير محاربة أعداء الوطن الواحد ومكوناته من الطوائف الأخرى وغير المؤيدين من نفس لونها الطائفي. ولذلك خطط داعش لإثارة الفوضى في سورية، تلتقي تماما مع مشروع إسرائيل لتقسيم البلاد.
لا يمكن للحرب ضد تنظيم داعش أن تبلغ غاياتها، من دون تسوية سياسية في سورية، تضمن وحدتها وعدم تقسيمها، ورفع يد إسرائيل عنها. مثلما يتعين النظر باهتمام للتطورات في العراق، كي لا ينزلق الصراع الحالي على الرئاسات إلى فشل سياسي. عندها، الضربات الانتقامية ضد داعش ستغدو حربا مفتوحة.
"الغد"