مخاطر "الصهيونية الانجيلية" على الأمن القومي الاردني!!
رجا طلب
22-12-2025 10:47 AM
لم يعد دعم إسرائيل في الولايات المتحدة مقتصرًا على اللوبيات اليهودية التقليدية، بل برز خلال العقدين الأخيرين تيار أكثر اتساعًا وتأثيرًا هو الصهيونية الإنجيلية، التي تمزج الدين بالسياسة وتحوّل العقيدة إلى أداة تعبئة وضغط جيوسياسي. ويُعد القس الأمريكي مايك إيفانز الذي انتشر له فيديو خلال مشاركته بداية هذا الشهر في القدس في "متحف اصدقاء صهيون" أحد أبرز رموز هذا التيار وأكثرهم وضوحًا في تحويل الخطاب الديني إلى برنامج سياسي عملي، تتجاوز تداعياته فلسطين لتطال الأمن القومي الأردني مباشرة، وقد كنت في اواخر عام 2021 قد انجزت مؤلفا خاصة عن الانجيليين واثرهم على السياسة الاميركية وتحديدا في عهدي ريغان ودونالد ترامب والمعنون بـ (الانجيليون وترامب ونهاية الخرافة) واشرت فيه الى شخص مايك إيفانز.
مايك إيفانز هو مؤسس منظمة (Friends of Zion)، وأحد قادة الصهيونية الإنجيلية عالميًا، كما يُعد احد المقربين من الرئيس الأمريكي، لا سيما في الملفات المرتبطة بإسرائيل والقدس. وقد اكتسب حضوره زخمًا خاصًا مع السياسات التي انتهجتها إدارة ترامب، وفي مقدمتها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو القرار الذي شكّل نقطة تحوّل مفصلية في العلاقة بين الدين والقرار السياسي الأمريكي.
خلال الأعوام 2017–2019، ألقى إيفانز سلسلة محاضرات وكلمات رئيسية في القدس المحتلة، أبرزها في متحف أصدقاء صهيون (Friends of Zion Museum)، بحضور شخصيات سياسية إسرائيلية رفيعة، من بينها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الذي أشاد علنًا بإيفانز واعتبره من ( اعظم أصدقاء إسرائيل) هذه الفعاليات لم تكن ذات طابع ديني رمزي، بل مثّلت إعلانًا صريحًا لتحالف ديني–سياسي عابر للحدود نسج علاقة عضوية وعملية بين المسيحية الصهيونية والاحتلال الاسرائيلي وخدمة اهدافه ووصلت قوة الانجيليين الى مستوى اقوى بكثير من "الايباك" داخل الولايات المتحدة.
جهد إيفانز لم يقتصر على الدعم المعنوي لاسرائيل في اميركا، بل قدّم برنامج عمل واضح المعالم ركّز فيه على حشد عشرات الملايين من الإنجيليين الأمريكيين للتصويت والضغط داخل الولايات المتحدة بما يخدم الأجندة الإسرائيلية، خصوصًا في الكونغرس والبيت الأبيض. وجرى تقديم دعم إسرائيل بوصفه واجبًا دينيًا، لا خيارًا سياسيًا قابلًا للنقاش أو المراجعة وهنا تكمن خطورة هذا التيار.
في ملف القدس، تبنّى إيفانز موقفًا حاسمًا يرفض أي تقسيم للمدينة أو الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة فلسطينية، معتبرًا القدس "عاصمة أبدية مُنحت لليهود بنص الكتاب المقدس" وهذا الخطاب لا ينفي الحقوق الفلسطينية فحسب، بل يضرب الأساس القانوني والتاريخي لأي تسوية سياسية مستقبلية، ويقوّض الدور الأردني التاريخي في القدس، ولا سيما الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
كما دعم إيفانز، بشكل مباشر أو ضمني، مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية، من خلال تشجيع التبرعات وشراء الأراضي وتمويل مشاريع إسكان وتوسيع الخدمات في المستوطنات. وإلى جانب ذلك، خاض ما أسماه "الحرب على الرواية" عبر إنتاج مواد إعلامية وتعليمية تهدف إلى نفي وجود الشعب الفلسطيني اصلا وتصوير الصراع على أنه معركة دينية بين "ارادة الله واعدائه" في اكبر واخطر عملية تزييف للوعي وللتاريخ واكبر عملية افتراء على الذات الالهية.
تتعدى خطورة خطاب وتوجهات إيفانز الديني – السياسي فلسطين والقضية الفلسطينية، وتصل خطورته الى "الأمن القومي الأردني". فالترويج لضم الضفة الغربية ورفض حل الدولتين يعيد إحياء أطروحات "الوطن البديل" ووضعها بكل جدية على طاولة خيارات الاحزاب الدينية والقومية اليمينية المتطرفة، و بالتالي يضع الأردن أمام تحديات ديمغرافية وسياسية وأمنية شديدة الحساسية. كما أن تقويض الوصاية الهاشمية يمسّ بأحد أعمدة الشرعية السياسية والدينية للدولة الأردنية، هذه الشرعية التى انتجها تاريخ عميق وعريق من العلاقة المتداخلة بين فلسطين والهاشميين وبين ديمغرافيا ضفتي نهر الاردن وتشابكهما مع بعظهما البعض، إضافة إلى ذلك، فإن تحويل الصراع إلى معركة دينية مغلقة، مرتبطة بنبوءات "آخر الزمان"، "يغتال" أي امكانية لحل سياسي ويفتح الباب أمام موجات توتر وعنف طويلة الأمد، تنعكس آثارها على استقرار الأردن وحدوده وأمنه الداخلي.
إن ما يطرحه مايك إيفانز ليس مجرد خطاب ديني متطرف، بل هو مشروع سياسي متكامل، يستخدم الدين لتبرير الاحتلال، ويعيد رسم خرائط الصراع في المنطقة على حساب الدول المستقرة، وفي مقدمتها الأردن، ومن هنا فإن فهم هذا التيار ورصد تمدده لم يعد شأنًا فكريًا، بل ضرورة استراتيجية مرتبطة مباشرة بحماية الأمن القومي الأردني في مرحلة إقليمية شديدة الاضطراب.
الراي