facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




السودان في قلب لعبة أكبر من حرب أهلية


مالك العثامنة
28-12-2025 11:43 PM

لم تعد الحرب في السودان شأنا داخليا يمكن عزله عن محيطه، ولا مأساة إنسانية بعيدة تراقبها العواصم من خلف الشاشات، ما يجري هناك يتحول بهدوء إلى ملف أمني وسياسي عابر للحدود، تتداخل فيه أدوات الحرب التقليدية مع شبكات النفوذ غير المرئية، ويصل صداه إلى أوروبا قبل أن يكتمل مشهده داخل السودان نفسه.

خلال الأشهر الماضية، بدأت تتكشف معطيات خطيرة حول طبيعة الصراع، مع اتهامات موثقة باستخدام مواد كيميائية بدائية في بعض العمليات العسكرية، وهي اتهامات، بغض النظر عن مآلاتها القانونية، نقلت الحرب من خانة النزاع الأهلي إلى مساحة المساءلة الدولية المحتملة، هذا التحول لم يكن تقنيا فقط، بل سياسيا بامتياز، إذ وضع القيادة العسكرية السودانية تحت مجهر مختلف، وفتح الباب أمام ضغوط لا يمكن احتواؤها بالخطاب السيادي التقليدي.

في هذا السياق، بدت التحركات السياسية اللاحقة وكأنها محاولة استباق للضغوط لا استجابة لها، المبادرات التي طُرحت لم تنطلق من فكرة إنهاء الحرب بقدر ما سعت إلى إعادة ترتيب الشرعية، وإعادة تثبيت مركز القرار القائم تحت مظلة مدنية شكلية، الرسالة الضمنية كانت واضحة، أي مسار لا يضمن بقاء الجيش في موقع اليد العليا هو تدخل خارجي غير مقبول، وهي معادلة تعيد إنتاج منطق الدولة الأمنية لا منطق الدولة الانتقالية.

على هامش هذا المشهد، برزت أدوار إقليمية تلعب على الحافة، تقدم نفسها كوسطاء، لكنها تحتفظ دائما بخيوط مصلحة خاصة، هذا التداخل بين الوساطة والسياسة الواقعية يخلق مساحة رمادية، تُدار فيها الملفات الحساسة بعيدا عن العلن، خصوصا حين تتقاطع السياسة مع احتمالات المساءلة القانونية.

الأكثر خطورة في المشهد السوداني لا يكمن فقط في السلاح، بل في ما ينمو في الظل، شبكات أيديولوجية قديمة أعادت التموضع مستفيدة من انهيار الدولة، ومن الفراغ الاجتماعي والاقتصادي، العمل الخيري، الذي يفترض أن يكون أداة إغاثة إنسانية، تحول في بعض السياقات إلى وسيلة نفوذ طويلة الأمد، تبني ولاءات، وتعيد إنتاج خطاب سياسي وديني عابر للحدود، هذا النمط ليس جديدا، لكنه في حالة السودان أكثر وضوحا وخطورة بسبب حجم الفوضى.

بالنسبة لأوروبا، لا يُقرأ هذا كله من زاوية أخلاقية فقط، بل من زاوية أمنية مباشرة، السودان بات نقطة عبور محتملة لموجات هجرة جديدة، لكن القلق لا يقتصر على الأعداد، بل على طبيعة الشبكات التي قد ترافق هذه الموجات، شبكات منظمة، لها امتدادات داخل القارة الأوروبية، تعمل تحت أطر قانونية، لكنها تحمل أجندات يصعب ضبطها.

في الخلفية، تستفيد قوى دولية من هذا التشابك دون أن تتصدر المشهد، كل انقسام أوروبي، كل أزمة هجرة، كل ارتباك سياسي داخلي، يخدم هدفا واحدا، إضعاف التماسك الغربي دون إطلاق رصاصة واحدة.

ما يجري في السودان اليوم ليس قصة بعيدة عن الأردن أو المنطقة، بل نموذج مكثف لكيف تتحول الحروب الحديثة إلى شبكات، وكيف يصبح الخطر بلا عنوان واضح، صامت، قانوني في ظاهره، عميق في أثره، والسؤال الحقيقي لم يعد متى ينتهي هذا الصراع، بل من يمتلك الجرأة على تسميته كما هو، قبل أن يصبح واقعا مفروضا على الجميع.

"الغد"





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :