ديمقراطيات إمبريالية – ترمب نموذجاً
د. عاكف الزعبي
24-03-2025 12:43 PM
صناديق الاقتراع هي من أوصلت هتلر وحزبه النازي إلى الحكم في المانيا، وذات الصناديق هي من أوصلت أيضاً موسوليني وحزبه الفاشي إلى الحكم في إيطاليا، وقد مثل ذلك تفويضاً للحرب لكلا الزعيمين مما حّول صناديق الاقتراع إلى صانعة حروب كبرى إذ قادت العالم إلى حرب كونية ثانية بعد 25 عاماً فقط من الحرب الكونية الأولى.
واقعياً ومنطقياً لم يكن غريباً كثيراً حصول حربين كونيتين خلال فترة قصيرة في ضوء ما تنبأ به مفكرو النظام الحر في الغرب قبل أكثر من قرن ونصف نتيجة لما افضت إليه مراجعاتهم لفلسفة الحياة العامة في الغرب التي صاحبت نشأة التفكير في الديمقراطيات الحرة حتى قيامها. حيث خلصت مراجعاتهم إلى ضعف وتراجع قدرة النظم السياسية في الغرب على تجديد نفسها.
ثلاثة عقود فقط بعد الحرب الكونية الثانية كانت كافية لكي تواجه النظم الديمقراطية الغربية تحدياً كبيراً زاد من ضعف قدرتها على تجديد نفسها بعد ما أصاب الرأسمالية وسوقها الحر من توحش مكنها من التمرد على قواعد الحوكمة الرشيدة للاقتصاد ومراكمة ثروات خيالية مكنت الشركات الكبرى والبنوك وأسواق المال والصناعات العملاقة بثرواتها الضخمة وإعلامها الطاغي من إختطاف الرأي العام وتوجيه صناديق الاقتراع والتأثير على مخرجاتها.
بعد 45 عاماً من نهاية الحرب الكونية الثانية أي مطلع تسعينات القرن الماضي أطل اليمين الراديكالي المتشدد برأسه على الغرب بداية في أوروبا وبات يتصاعد في كل من النمسا وإيطاليا وفرنسا، ولم يتأخر في اطلالته على الولايات المتحدة التي إزدهرت فيها مسيحية سياسية صهيونية ( المجددون والانجيليون)، والليبراليون الجدد بتأثير من الحركة الصهيونية ظهر ذلك مع انتخاب جورج بوش الأبن في دورتين وتكرر ذلك في فوز ترامب في المرة الأولى ثم في فوزه ثانية في الانتخابات الأخيرة.
ترمب وصقور إدارته هم حالياً احدث مخرجات صناديق الاقتراع في ظل نفوذ الحركة الصهيونية وأمراض الرأسمالية في الولايات المتحدة المواتية لإنتاج نخب شوفينية الفكر والسلوك تسعى للجمع بين السلطة والثروة.
وعن ترمب بالذات فهو نموذج لشوفينية الامريكي الأبيض، ونفوذ الحركة الصهيونية في أمريكا، وتوحش الرأسمالية في مرحلتها الامبريالية، وحرص أمريكا على ممارسة دور الشرطي العالمي بعد أن لم تعد الرياح تجري بما تشتهيه سفنها. فهي اليوم تحت مديونية تبلغ(36) ترليون دولار بنسبته (124%) من ناتجها الإجمالي . حتى أصبحت كلفة قواعدها العسكرية عبئاً عليها، وباتت تطلب خفض حصتها في الناتو، ولم تعد قادرة على خوض حروب خارجية بعد هزائمها خاصة في فيتنام وأفغانستان وميلها مؤخراً لإدارة حروبها بالوكالة كما هو حالها مع كيانها الصهيوني مخلباً لها في الشرق الأوسط والمنطقة العربية المتخمة بالنفط ومنافذ المواصلات الدولية والموقع الاستراتيجي العالمي المتوسط.