إن المتابع للمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والاصلاحي للربيع العربي ، وما انطوى عليه من تاثيرات في كافة المجالات الحياتية في الدول التي هب عليها رياح التغيير ، يرى مقدار الاضطرابات وحالة الفوضى وعدم الاستقرار الامني والسياسي في هذه الدول ، وحالة التخبط والصراعات على السلطة ما بين كافة التيارات السياسية والدينية، والرغبة في الاستيلاء على السلطة والنهج غير الديمقراطي في الوصول قيادة الامة .

إن فكرة الربيع العربي انطلقت بالتحرك في بعض الدول العربية وذلك لرفضها وجود بعض الانظمة العربية الحاكمة ، وإذا كانت هذه الانتفاضة أو الثورة ضد الأنظمة التي تجمع بين الديكتاتورية والفساد والانهيار الاقتصادي ، وبفعل تفاقم ما يمكن أن نسميه (منظومة الانفجار الثلاثية ). وهي ( الفقر والقمع والفساد) التي تفشت في العديد من الدول في السنوات الأخيرة ، ونتج عنها العديد من التوترات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .وبدأت بتونس واخذت تتجه نحو دول اخرى لأسباب إضافية تتعلق بحالة الكبت والانغلاق التام للحريات وغلق الأفواه ، ووجود الكثير من أشكال الفساد والمحسوبية والرشوة التي باتت تنخر كالسوس في مختلف الدول العربية وما يعمق هذه الأزمات لتمتد داخل الأنظمة العربية – كما كشف الربيع العربي – هو إن البطالة ليست فقط هي محرك الشارع ، لأنها موجودة في جميع دول العالم، ولكن المشكلة تتمثل في أن العاطلين والنشطاء السياسيين يثيرهم ما سيجعل الكثير من الأنظمة السياسية في المنطقة مهددة وبقوة بسبب التوقعات بتدهور الأوضاع الاقتصادية مع انتشار الفساد .

ولم تعد الإصلاحات وما رافقها من تطورات سياسية اجتماعية واقتصادية كافية لاقناع المواطن العربي بجدوى الربيع العربي والمشهد المصري اكبر دليل على ذلك ،وما تبعه من ثورة جديدة على نظام حكم الاخوان المسلمين اعطى اشارة الى عدم النضوج السياسي لدى الساسة الجدد في الوطن العربي وانهم يحتاجون الى وقت طويل لاستيعاب النهج الديمقراطي بالممارسات السياسية .

بالاضافة الى ان المشهد السوري يزداد تعقيداً وان عشرات الالاف من القتلى وملايين المهجرين ينذر بصراع ابدي في هذه البقعة التي كانت اكثر امناً واستقراراً ، وبالتالي تردي كافة الاوضاع الحياتية للمواطن السوري وزيادة الخطورة الامنية وعدم الاستقرار ، خاصة مع اختلاط الاوراق ما بين التدخل الايراني وحزب الله في الصراع ما بين الجيش الحر والنظام الحاكم .

وينطبق نفس المشهد على بقية الدول التى جرى بها الربيع العربي انها ما زالت ايضاً تعاني من الصراع بين السلطة الحاكمة وباقي التيارات الاخرى التي تنتظر الفترة المناسبة للانقضاض على السلطة ، ولذا فان الربيع العربي قد كشف ان المواطن العربي يحتاج لفترة طويلة حتى يستطيع الانسجام والقبول بالديمقراطية الجديدة ، وخاصة ان الدول التي عاشت هذا الربيع الذي اصبح خريفاً تحتاج الى عشرات السنوات ليستقر وضعها الامني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي .

bsakarneh@yahoo.com