حاجة مجتمعنا الماسة لقيم ثقافية مستنيرة
د. عاكف الزعبي
22-11-2025 09:02 AM
أثبتت التجارب المعاصرة لتنمية أي مجتمع والنهوض به إرتباطاً وثيقاً بين نجاح التجربة وطبيعة الثقافة السائدة في المجتمع أي بمدى ما يختزنه المجتمع من قيم ثقافية حيه وداعمة للتغيير الإيجابي ومحفزة للتقدم. والأهم من ذلك مدى إلتزام المجتمع بتطبيق مضامين هذه القيم من أفكار ومفاهيم في سلوكه العملي تطبيقاً صادقاً على أرض الواقع.
المخزون الفكري والمفاهيمي التراكمي الإيجابي للمجتمع، والإلتزام بترجمة هذا المخزون إلى سلوك عملي فعلي هو أكثر ما يدفع المجتمع ويأخذ بيده للسير على طريق التقدم والنهوض. وعلى العكس من ذلك تماماً حال معظم مجتمعات الدول النامية والأقل نمواً بسبب ما ترزح تحته من إرث ثقافي متخلف وهوية ثقافية ملتبسة صنعها الفقر والجهل والجمود.
القيم الثقافية السائدة في المجتمع هي المعيار الذي تُقاس به قدرة المجتمع وإستعداده لكي يكون شريكاً تنموياً مؤهلاً ودافعاً للجهات الرسمية وداعماً قوياً لجهودها في التقدم والنهوض. وقد إستحقت ذلك لأنها المحرك لكل ما ينشأ عنها من عادات وتقاليد وتطلعات وطموحات وإرادة للتغيير نحو الأفضل.
التصنيف الثقافي للمجتمع الأردني اليوم ليس في صالحه كشريك يُعتمد عليه في جهود الإصلاح والتنمية والتقدم عموماً رغم نسبة التعليم المرتفعة وعمر الدولة الذي بلغ 104 عاماً. إذ ما يزال مجتمعنا ينتمي للماضي ويعيش فيه، ويعاني من ولاءات فرعية ملفتة، ولا رابط بين قوله وسلوكه، ما أوجب منذ زمن طويل أن تأخذ مؤسسات الدولة التنفيذية موقفاً جاداً وقوياً للقيام بواجبها في معالجة هذه الإختلالات المجتمعية العميقة وفق رؤية واضحة وخطة تنفيذية شاملة ومستدامة.
فالتغيير الثقافي أصعب أنواع التغيير لأنه ينطوي على تغيير سلوكي وهو ما يحتاج إلى عمل مستدام حلقات مجتمعية عديدة ومترابطة تبدأ من الأسره لتشمل بعد ذلك المدرسة والمجتمع المحلي والجامعة وبيئة العمل ومؤسسات المجتمع المدني.
مؤسف أنه لا يزال أمام المجتمع الأردني طريق طويل للتخلص من حالة الإنفصام السلوكي والبيئة الطاردة للقيم الثقافية المستنيرة التي يرفعها مجتمعنا شعارات نظرية ويسلك سلوكاً مخالفاً لها تماماً في حياته العملية.
أكثر ما نحتاجه من قيم ثقافية هو الإلتزام بتطبيق القانون، والحوار طريقاً للتوافق، وإحترام الرأي الآخر، والإستعداد للتعاون وعمل فريق، والمشاركة في الحياة العامة، وإحترام المرأة ودورها، وتقدير قيمة العمل، والإلتزام بإحترام الوقت كمورد وكسلوك عملي وإجتماعي، والإيمان بالعلم منهجاً للتقدم، والإيمان بالمصلحة العامة، والمحافظة على الملكيات الاجتماعية، والتحقق من المعلومات والأخبار للفظ الشائعات.
خطوة التغيير الثقافي الأولى والأهم هي إحترام القانون والإلتزام بتطبيقه وهي تحتاج لموقف حاسم من مؤسسات الدولة. وإنجاز ذلك يكون بتطبيق القانون بحزم وبعدالة. دعونا نبدأ فقد تأخرنا كثيراً.