facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الاستثمار في الأردن: كيف نعيد الثقة قبل مغادرة الفرص؟


الدكتور مهند النسور
25-11-2025 11:52 AM

بينما كان الأردن يقدّم نفسه للعالم من منصة دافوس الاقتصادية بوصفه بلدًا مستقرًا وجاذبًا للفرص، كانت في الداخل ترتفع أصوات لا تقل أهمية عمّا يُقال في الخارج. فمداخلة معالي المهندس سعيد دروزة أمام جلالة الملك عبدالله الثاني وما تبعها من الجدل الذي أثارته تصريحات رجل الأعمال زياد المناصير، شكّلت معًا مرآة صادقة لواقع يحتاج إلى مراجعة داخلية جادة لبيئة الاستثمار الأردنية، مراجعة تسبق خطوة ذهاب الفرص نحو دول اختارت أن تتحرك أسرع وأن تصلح أعمق.

في ملتقى «عام على التحديث»، وقف سعيد دروزة ليقدم تشخيصًا دقيقًا لطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تربط الدولة بالقطاع الخاص. تحدّث بوضوح عن أن دور الدولة يجب أن يكون تنظيميًا ورقابيًا، بينما يبقى التنفيذ والابتكار في يد القطاع الخاص الذي يعرف كيف يخلق العمل ويقود الحركة الاقتصادية. وأشار إلى مشكلات البيروقراطية وتداخل الأدوار، مؤكدًا أن سرعة اتخاذ القرار أهم من جمال أي خطة، وأن تحديث التشريعات الضريبية والجمركية لم يعد خيارًا بل ضرورة لمنح الأردن القدرة على استعادة موقعه كوجهة جاذبة.

لم تكن كلمات دروزة انتقادًا للدولة، بل دعوة لإعادتها إلى موقعها الطبيعي: دولة تنظّم وتحكم ولا تنافس المستثمر في ميدانه. ومع ذلك، لم يكد يمضي وقت طويل حتى جاءت تصريحات زياد المناصير لتفتح نقاشًا أكثر حساسية، إذ أشار إلى تدخلات وضغوط طالت عمله، ما أثار أسئلة حول نزاهة بيئة الاستثمار وحدود علاقة السلطة التنفيذية بالمستثمرين. وعلى الرغم من أن الوقائع بانتظار التحقيق، إلا أن ردود الفعل التي عمّت الشارع كشفت هشاشة الثقة، وأن المستثمر المحلي—قبل الأجنبي—لم يعد مطمئنًا تمامًا إلى أن القانون هو الحَكَم الوحيد.

لكن دروزة و المناصير لم يكن القصة الوحيدة، بل كان مجرد صوت ارتفع في فضاءٍ مليء بالقصص التي لم تُروَ بعد. فهناك مستثمرون صغار ومتوسّطون آثروا الصمت لسنوات طويلة، إمّا خوفًا من الإضرار بأعمالهم، أو لقناعة بأن كلامهم لن يغيّر شيئًا. أحدهم، صاحب مشروع صناعي صغير في وادي الأردن، ظلّ ينتقل عامًا كاملًا بين دائرة وأخرى لتجديد رخصة كان يمكن إنجازها في أسبوع واحد، بينما كانت آلاته متوقفة وعماله دون عمل. وآخر، صاحب مشروع تكنولوجي، اضطر لنقل فكرته إلى دولة مجاورة بعد أن ظلّت معاملته «قيد الدراسة» لثمانية أشهر، بينما حصل على موافقة كاملة في الدولة الأخرى خلال أسبوعين فقط. هذه القصص لم تجد طريقها إلى الإعلام، لكنها كانت تتناقل همسًا بين رواد الأعمال في المقاهي والزيارات الخاصة، وكأنها شهادات ضمنية على واقع يحتاج إلى إصلاح حقيقي.

ورغم أن رئيس الوزراء أعلن بوضوح عدم التساهل مع أي تجاوز، إلا أن الرسائل وحدها لا تكفي ما لم تتحول إلى ممارسة يومية تُعيد الثقة بأن الدولة قادرة على حماية المستثمر، كبيرًا كان أم صغيرًا. فالسوق يقيس جدية الإصلاح من خلال السلوك و تدفق الاستثمارات و السيولة، لا من خلال التصريحات.

وفي هذا السياق، تأتي أهمية النظر إلى دور وزارة الاستثمار التي علّق عليها الأردنيون آمالًا كبيرة منذ تأسيسها لتكون المرجعية المركزية التي تسهّل وتوحد الإجراءات. أطلقت الوزارة استراتيجيات ومنصات رقمية ونوافذ موحدة، وظهرت نتائج إيجابية في حجم الاستثمارات الأجنبية. لكن الشعور العام عند المستثمر المحلي تحديدًا لا يزال مترددًا: هل تغيّر شيء فعلاً في سرعة الإجراءات؟ هل اختفت البيروقراطية العابرة للمؤسسات؟ وهل أصبح هناك مرجع واحد أم ما زالت النوافذ متعددة؟ ورغم الجهود، يبقى الأهم أن يشعر المستثمر—في ورشة عمله وفي مراجعة معاملته وفي نزاعه مع أي جهة حكومية—بأن تطورًا حقيقيًا قد حدث، وأن الأردن لا يكتفي بالصورة بل يطابقها على الأرض.

وتزداد الحاجة إلى هذه المراجعة الداخلية حين ننظر إلى تجارب الجوار. ففي السعودية تحوّلت الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص إلى ركيزة رؤية 2030، وفي الإمارات أصبحت نماذج الشراكة علامة عالمية في الإدارة الحديثة للبنية التحتية والخدمات، وفي مصر توسعت الحكومة في مشاريع الشراكة التي جذبت استثمارات عربية ودولية كبيرة. غيرها من الدول التي لا مجال لذكرها جميعا هنا. هذه الدول ليست بعيدة عنا، لكنها اختارت نهجًا أكثر جرأة في تمكين القطاع الخاص باعتباره شريكًا موثوقًا، لا جهة ينظر إليها بتحفّظ.

إن المراجعة الداخلية المطلوبة اليوم لا تبدأ بتشكيل لجنة ولا تنتهي بإصدار بيان، بل بإعادة صياغة لطريقة العمل: قوانين لا تحتمل التأويل، إجراءات لا تغرق في البيروقراطية، دولة قوية تحكم وتحمي، وقطاع خاص شفاف يلتزم بالحوكمة ويستثمر بثقة. إنها أيضًا تمكين حقيقي لوزارة الاستثمار لتكون المرجعية الأعلى التي يُحتكم إليها، لا مجرد بوابة لتلقي المعاملات.

ولأن ما يُقال في دافوس أو في المؤتمرات العالمية لا يكفي، فإن المستثمر العالمي ينظر إلى الأردن من خلال تجربة المستثمر الأردني. إن كان مطمئنًا وواثقًا وجريئًا في قراراته، جاء العالم كله. وإن كان مترددًا أو خائفًا من التعطيل أو التأويل أو البطء، فلن تُصلح أي منصة دولية هذا الانطباع.

اليوم، يقف الأردن أمام لحظة مفصلية لا يجوز أن تضيع. بين دعوة معالي دروزة لإعادة ضبط العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، وصرخة المهندس زياد المناصير التي كشفت جوانب حساسة من الواقع، وتوجيهات جلالة الملك التي لا تتوقف عن دعم التحديث والشفافية والتمكين الاقتصادي، تتاح للأردن فرصة ثمينة لإعادة بناء الثقة، وإطلاق مرحلة جديدة من الإصلاح الحقيقي، ووضع بيئة الاستثمار على الطريق التي تستحقها.

وإذا استثمرنا هذه اللحظة كما يجب، فإن الأردن قادر على النهوض ليقدّم نفسه للعالم بثقة وبحقائقٍ على الأرض، لا بخطابات. أما إذا بقيت المراجعة المؤجلة ثقافة سائدة، فسنستمر في خسارة فرص كان يمكن أن تكون رافعة حقيقية لاقتصاد ومستقبل يستحقه الأردنيون.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :