facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




العربية .. سقوط ثقافة وشعور بالنقص


محمد حسن التل
10-12-2025 09:03 PM

اللغة جزءٌ من حضارة أي أمة، وهي الركن الأساسي في شخصية الشعوب والجدار الذي تستند إليه هويتها.. شعوب الأرض كلها تعتز بلغاتها سواء الناطقون بالإنجليزية أو الصينية أو الفرنسية أو الألمانية وغير هؤلاء، حتى الناطقون بالأوردية يرفضون التحدث بغير لغتهم، وليس غريبًا هذا الاعتزاز، فكما قال طه حسين: "إن الأمة التي لا تُقيم لغتها لا تستطيع أن تُقيم نهضتها."

أما نحن العرب، ففي عصر الهزيمة وانحطاطنا الثقافي والحضاري، اللذين أدّيا إلى هزيمة شاملة، نجد أن أحد أبرز مظاهر هذا الانحطاط هو ازدراء الكثيرين للغتهم التي سادت الأرض قرونًا، وكانت مفتاحًا لنهضة فكرية ومعرفية، لقد باتت شرائح واسعة من الشعوب العربية تتخلى عن لغتها شيئًا فشيئًا، حتى نشأت أجيال لا تعرف لغتها ولا تحترمها.

وأودّ هنا أن أتوقف عند مجتمعنا الأردني وما أصابه من ظاهرة تثير الاشمئزاز، إذ باتت الإنجليزية عند البعض دليلًا على "الرقي"، بينما أصبحت العربية في نظرهم لغة الطبقات الدنيا، ونرى ذلك في ظاهرة "العرابيزي" التي اجتاحت أحاديث الشباب فأصبحت هذه الطريقة في الحديث نوعًا من "البريستيج" المزعوم ، فكلمة عربية تتبعها كلمة إنجليزية، رغم أن أغلب هؤلاء الشباب لا يتقنون الإنجليزية أصلًا، وإنما يحفظون بضع مفردات يكررونها لاعتقادهم أنها تمنحهم قيمة اجتماعية.

والكارثة الأكبر أن هذه العدوى الثقافية تسللت إلى مساحات من الإعلام المرئي والمسموع، فمجرد الاستماع إلى أحد البرامج يكفي للشعور بالاشمئزاز من الحوارات التي تلوّث السمع، حيث يظن كثير من الإعلاميين من جيل الشباب أن حشو كلامهم بمصطلحات أجنبية يزيد من احترام الجمهور لهم، وهذا كله كما قال ابن خلدون في مقدمته، يثبت أن "غلبة اللغة بغلبة أهلها" فإذا ضعف أهل العربية عن حمل لغتهم، ضعفت اللغة في النفوس.

إن ما يحدث ليس مجرد خطأ فحسب بل هو تشويه لنمط التفكير وفقدان للشخصية الثقافية، واعتماد على معايير زائفة للتطور ، والأخطر سلوك آلاف العائلات التي أصبحت تعتبر أن حديث أبنائها بالعربية يسيء إلى مظهرها ومستواها الاجتماعي، وينهر بعض الآباء أبناءهم إذا تحدثوا بالعربية، رغم أن هؤلاء الآباء لا يتقنون الإنجليزية إلا بحدٍّ متواضع.

وبسبب هذا التشوه نشأ جيل يتحدث العربية بلهجة "مكسَّرة"، لأنه يعيش كل تفاصيل حياته باللغة الإنجليزية، ونتيجة لذلك بات كثير منهم مضطربين على مستوى الهوية الثقافية، يعيشون في شبه عزلة عن مجتمعهم، وهذه الحالة كما وصفها المستشرق الفرنسي جاك بيرك الذي قال: "العربية ليست لغة فحسب، بل عالمٌ من الفكر"، تؤكد أن من يفقد لغته يفقد عالمه الداخلي كله.

والمفارقة أن هذا التراجع في العربية يحدث في وقت يشهد فيه الغرب إقبالًا متزايدًا على تعلمها، فجامعات عريقة مثل السوربون وكامبردج وجامعة لايبزيغ الألمانية تضم أقسامًا متخصصة لدراسة العربية، ويسعى باحثون غربيون كثر لتعلم هذه اللغة لأنهم يعتبرونها مفتاح لفهم عالمٍ واسع يمتد حضاريًا آلاف السنين.

وقد لخّص المستشرق الألماني يوهان فِك هذا الإقبال بقوله إن "انتشار العربية في العالم ظاهرة فريدة، استطاعت أن تفرض مكانتها حتى في بلاد لم يدخلها العرب."

ولم يقف الاهتمام عند الجامعات، بل إن آلاف العائلات الأوروبية باتت توفّر لأبنائها من يدرّسهم العربية في المنازل، لإدراكهم أنها لغة حضارة عظيمة، وأن فهمها يفتح بابًا واسعًا لفهم تاريخ الإنسان وحضاراته.

والعودة إلى واقعنا الأردني تظهر مفارقة مؤلمة أخرى، فالقوانين لدينا مثلا تمنع تسمية المحلات والمؤسسات بأسماء أجنبية، ومع ذلك تمتلئ شوارعنا بأسماء لا علاقة لها بالعربية. ولا أدري كيف تُمنح هذه التراخيص رغم مخالفتها للقانون.

لا أحد بالطبع ينكر أهمية الإنجليزية فهي باتت لغة العصر ولغة التكنولوجيا والعلم والبحث، لا يمكن لأي شاب أو شابة تجاهلها، لكن الخطر يكمن بأن يتحول تعلمها إلى ازدراء للغة الأم، وكأن التفوق لا يتحقق إلا بالتنكر للجذور. وهذا ما يناقض حقيقة أن اللغة كما قال المفكر محمد عابد الجابري "بيت الوجود الإنساني ووعاؤه الثقافي."

إن الحفاظ على العربية ليس ترفًا، بل ضرورة حضارية وثقافية، فالأمم التي تفرط في لغتها تُفرّط في ذاكرتها ومستقبلها، بينما الأمم التي تحترم لغتها تحافظ على مكانتها واحترامها بين شعوب العالم.

إذا أردنا لأجيالنا أن تتمكن من فهم ما يدور في العالم في مختلف المجالات، يجب أن يتمكنوا من الإنجليزية، ولكن دون أن نسمح بأن يتحول ذلك إلى قطيعة مع اللغة الأم؟ فاللغة هوية، والهوية لا تُبدَّل بكلمة أجنبية تُقال لزخرفة حديث أو إضفاء "وجاهة" زائفة.

انني هنا أوجه نداء لكل من يهمه الأمر أن ننتبه جميعا إلى كارثة ظلالها تقترب كثيرا من مجتمعنا وأن تمكنت فستكون خسارتنا كبيرة ونعجز عن مواجهتها!!..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :