وعلى ضوء الحرب الدامية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، ومع تصاعد عملياته العسكرية هناك، ما يزال العالم الذي يدعي الحرية يقف موقف المتفرج على مشاهد القتل الوحشي الممنهج والغير مسبوق بحق أطفال ونساء وشيوخ غزة، فلا يمر يوم إلا ويسقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى، بالتزامن مع اشتداد الحصار المطبق على كافة مدن ومعابر القطاع وتدمير مدينة رفح ومسح مربعات سكنية كاملة باستخدام الأحزمة النارية، لإنشاء ما يسمى محور موراغ منطقة عازلة تقضم مناطق شاسعة من قطاع غزة، فارضة سيطرتها بإحكام على مدينة رفح، في حين يعاني الغزيون من نقص شديد في الطعام وشح في المياه النظيفة من وحي استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلية خطوط إمدادات المياه والمياه الجوفية في مواصي خان يونس ومدينة بيت لاهيا والأخيرة تعد مصدراً حيوياً للمياه الجوفية في عموم القطاع، أضف إلى ذلك انعدام الخدمات الصحية والبلدية مما أدى إلى انتشار مكبات النفايات، فترتفع أصوات المنظمات والهيئات الدولية والأممية للتحرك العاجل لإنقاذ حياة آلاف الغزيين من موت محقق، وهي ترى المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً لينقذ أهل غزة من كارثة إنسانية وشيكة على الأبواب لا يتحملها العالم الذي يدعي التحضر.
إن تمادي الاحتلال الإسرائيلي في غيه على الأبرياء المدنيين العزل، وسيطرته على القطاع بما يمثل ما نسبته ٣٠٪، سعياً للضغط العسكري على المقاومة الفلسطينية واجبارها على قبول ورقة التفاوض الإسرائيلية المجحفة لحق الشعب الفلسطيني في غزة، منطوقها إطلاق جميع أسرى الاحتلال الإسرائيلي لدى فصائل المقاومة وتحرير بعض الأسرى الفلسطينيين، وبعد ذلك يصبح لها الحق في الرجوع إلى الحرب و توسيع عملياتها العسكرية حتى يتم القضاء على المقاومة الفلسطينية نهائياً، والتوعد الإسرائيلي في حال الإصرار على رفض المقترح الإسرائيلي التمدد على مساحات أكبر من القطاع والسيطرة على ما يقارب ٥٠٪. والمطلع على مجريات الأحداث، يدرك أن الإنسانية لم يعد لها قيمة في هذا العالم، الذي ما زال ينكر حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستعادة حقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، و بالمقارنة مع الحرب الأوكرانية الروسية، نلحظ نفاق الغرب وتزلفه الغير منطقي بفرض عقوبات اقتصادية مشددة على روسيا بدعوى اعتدائها على أوكرانيا وشن حرباً غير متكافئة و قاسية على أوكرانيا، يقف على قدميه ممتقعا ويمد أوكرانيا بأحدث التقنيات والأسلحة الحديثة، ويتصدر الغرب بممثلها الاتحاد الأوروبي بشقيه الاقتصادي والعسكري النيتو للتصدي لروسيا بوتين واستعدائها، بينما يصم أذنيه عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
الازدواجية في التعامل مع مأساة غزة، والاستعماء عن كل ما تقوم به حكومة اليمين المتطرفة بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من إبادة جماعية وتطهير عرقي لسكان غزة، إنما يكشف عن وجه العالم الحقيقي الذي ما فتيء يروج للديمقراطية والمساواة وحرية الإنسان وحقوق المرأة والطفل وهو بعيد عنها كل البعد، سيما أن جزءًا من هذا العالم يرفض الممارسات الهمجية التي تمارسها "إسرائيل" بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ودعمه لحقوقه ومطالبه المشروعة، فتوافدت الفرق الإغاثية الطبية والإنسانية لمد يد العون لأهل غزة، للتخفيف من وطأة الكارثة الإنسانية التي خلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، فقد صار واضحاً أن العالم أمام تحدي انقسام بين مدعي الحرية والعدالة و أولئك الذين يؤمنون بالمساواة بين المجتمعات البشرية بصدق.